الْأَوْثانِ)بيان للرجس وتمييز له ، كقولك : عندي عشرون من الدراهم ، لأنّ الرجس مبهم يتناول غير شيء ، كأنه قيل : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والزور من الزور والازورار وهو الانحراف ، كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه. وقيل (قَوْلَ الزُّورِ) قولهم : هذا حلال وهذا حرام ، وما أشبه ذلك من افترائهم. وقيل : شهادة الزور. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصبح فلما سلم قام قائما واستقبل الناس بوجهه وقال «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ، عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ، عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» (١) وتلا هذه الاية. وقيل : الكذب والبهتان. وقيل : قول أهل الجاهلية في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق ، فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية ، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير ، فتفرق مزعا (٢) في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح (٣) البعيدة. وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوّح به في وادى الضلالة بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة (٤).
__________________
(١) أخرجه أبو داود وأحمد وإسحاق وابن أبى شيبة من رواية سفيان بن زياد العصفري عن أبيه عن حبيب ابن النعمان عن حريم بن فاتك. وأخرجه الترمذي من رواية العصفري عن فاتك بن فضالة عن أنس بن حريم كذا قال.
(٢) قوله «مزعا» مفرده «مزعة» بالضم. أى : قطعة لحم كما في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «والمطاوح» أى المقاذف. وطاح يطوح ويطيح : هلك وسقط. وطوحته الطوائح : قذفته القواذف ، كذا في الصحاح أيضا. (ع)
(٤) قال محمود : «ويجوز في هذا التشبيه أن يكون مركبا ومفرقا ، فان كان مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية ، بأن صور حاله بصورة من خر من السماء فاختطفته الطير فصيرته مزعا في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة ، وإن كان مفرقا فقد شبه الايمان في علوه بالسماء والذي ترك الايمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، وشبه الأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادى الضلالة بالريح تهوى بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة» قال أحمد : أما على تقدير أن يكون مفرقا ، فيحتاج تأويل تشبيه المشرك بالهاوى من السماء إلى التنبيه على أحد أمرين : إما أن يكون الاشراك المراد ردته ، فانه حينئذ كمن علا إلى السماء بإيمانه ثم هبط بارتداده. وإما أن يكون الاشراك أصليا ، فيكون قد عد تمكن المشرك من الايمان ومن العلو به ثم عدوله عنه اختيارا ، بمنزلة من علا إلى السماء ثم هبط كما قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) فعدهم مخرجين من النور وما دخلوه قط ، ولكن كانوا متمكنين منه. وقد مضى تقرير هذا المعنى بأبسط من هذا. وفي تقريره تشبيه الأفكار المتوزعة للكافر بالطير المختطفة ، وفي تشبيه تطويح الشيطان بالهوى مع الريح في مكان سحيق : نظر ، لأن الأمرين ذكرا في سياق تقسيم حال الكافر إلى قسمين ، فإذا جعل الأول مثلا لاختلاف الأهواء والأفكار. والثاني مثلا لنزغ الشيطان : فقد جعلهما شيئا واحدا ، لأن توزع الأفكار واختلاف الأهواء ، مضاف إلى نزغ الشيطان ، فلا يتحقق ـ