(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ)(٢)
(يَوْمَ تَرَوْنَها) منصوب بتذهل. والضمير للزلزلة. وقرئ : تذهل كل مرضعة ، على البناء للمفعول : وتذهل كل مرضعة أى : تذهلها الزلزلة. والذهول : الذهاب عن الأمر مع دهشة. فإن قلت : لم قيل (مُرْضِعَةٍ) دون مرضع؟ قلت : المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبى. والمرضع : التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به (١) فقيل : مرضعة ، ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة (عَمَّا أَرْضَعَتْ) عن إرضاعها ، أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وعن الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام ، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام. قرئ (وَتَرَى) بالضم من أريتك قائما. أو رؤيتك قائما (٢). و (النَّاسَ) منصوب ومرفوع ، والنصب ظاهر. ومن رفع جعل الناس اسم ترى ، وأنثه على تأويل الجماعة. وقرئ : سكرى. وبسكرى ، وهو نظير : جوعى وعطشى ، في جوعان وعطشان. وسكارى وبسكارى ، نحو كسالى وعجالى. وعن الأعمش : سكرى ، وبسكرى ، بالضم ، وهو غريب. والمعنى : وتراهم سكارى على التشبيه ، وما هم بسكارى على التحقيق (٣) ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب
__________________
ـ في بعض أسفاره وقد تقارب من أصحابه السير ورفع بهاتين صوته (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ـ إلى قوله : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطىّ وعرفوا أنه عنده قول يقوله ، فلما التفوا حوله قال : أتدرون أى يوم ذلك؟ يوم ينادى آدم ـ الحديث. وفيه : فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة. فلما رأى ذلك قال : اعلموا وأبشروا ـ الحديث» وأما آخره فلم أره.
(١) قال محمود : «يقال مرضع على النسب ومرضعة على أصل اسم الفاعل» قال أحمد : والفرق بينهما أن وروده على النسب لا يلاحظ فيه حدوث الصفة المشتق منها ، ولكن مقتضاه أنه موصوف بها ، وعلى غير النسب يلاحظ حدوث الفعل وخروج الصفة عليه ، وكذلك هو في الآية لقوله (عَمَّا أَرْضَعَتْ) فأخرج الصفة على الفعل ، وألحقه التاء.
(٢) قوله «أو رؤيتك قائما» لعله : أو رؤيت قائما. (ع)
(٣) قال محمود : «وقوله وترى الناس سكارى وما هم بسكارى : أثبت لهم أولا السكر المجازى ، ثم نفى عنهم السكر الحقيقي» قال أحمد : والعلماء يقولون : إن من أدلة المجاز صدق نقيضه ، كقولك : زيد حمار ، إذا وصفته بالبلادة ، ثم يصدق أن تقول : وما هو بحمار ، فتنفى عنه الحقيقة ، فكذلك الآية بعد أن أثبت السكر المجازى نفى الحقيقة أبلغ نفى مؤكد بالباء. والسر في تأكيده : التنبيه على أن هذا السكر الذي هو بهم في تلك الحالة ليس من المعهود في شيء ، وإنما هو أمر لم يعهدوا قبله مثله ، والاستدراك بقوله (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) راجع إلى قوله (وَما هُمْ بِسُكارى) وكأنه تعليل لاثبات السكر المجازى ، كأنه قيل : إذا لم يكونوا سكارى من الخمر وهو السكر المعهود ، فما هذا السكر الغريب وما سببه؟ فقال : سببه شدة عذاب الله تعالى ، ونقل عن جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنه أنه قال : هو الوقت الذي يقول كل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيه «نفسي نفسي».