إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الكشّاف [ ج ٢ ]

الكشّاف [ ج ٢ ]

678/752
*

الركب والصحب. وقرئ : ورجلك ، على أن فعلا بمعنى فاعل ، نحو : تعب وتاعب. ومعناه: وجمعك الرجل ، وتضم جيمه أيضا ، فيكون مثل حدث وحدث ، وندس وندس (١) ، وأخوات لهما. يقال : رجل رجل. وقرئ : ورجالك ورجالك. فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله؟ قلت : هو كلام ورد مورد التمثيل ، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوّت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم. وقيل : بصوته ، بدعائه إلى الشر. وخيله ورجله : كلّ راكب وماش من أهل العيث (٢). وقيل : يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال. وأما المشاركة في الأموال والأولاد فكل معصية يحملهم عليها في بابهما ، كالربا والمكاسب المحرّمة ، والبحيرة والسائبة ، والإنفاق في الفسوق ، والإسراف ، ومنع الزكاة ، والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام ، ودعوى ولد بغير سبب ، والتسمية بعبد العزى وعبد الحرث ، والتهويد والتنصير ، والحمل على الحرف الذميمة والأعمال المحظورة ، وغير ذلك (وَعِدْهُمْ) المواعيد الكاذبة (٣) ، من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة ، وتسويف التوبة ومغفرة الذنوب بدونها ، والاتكال على الرحمة ، وشفاعة الرسول في الكبائر والخروج من النار بعد أن يصيروا حمما (٤) ، وإيثار العاجل على الآجل (إِنَّ عِبادِي) يريد الصالحين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أى لا تقدر أن تغويهم (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك ، ونحوه قوله (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فإن قلت : كيف جاز أن يأمر الله إبليس بأن يتسلط على عباده مغويا مضلا ، داعيا إلى الشر ، صادّا عن الخير؟ قلت : هو من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية ، كما قال للعصاة : اعملوا ما شئتم.

__________________

(١) قوله «مثل حدث وحدث ، وندس وندس» في الصحاح : رجل حدث وحدث ، بضم الدال وكسرها أى حسن الحديث. وفيه : رجل ندس وندس ، أى : فهم. (ع)

(٢) قوله «العيث» في الصحاح «العيث» الإفساد. (ع)

(٣) قال محمود : «المراد وعدهم المواعيد الكاذبة ... الخ» قال أحمد : وهذا من تجرى المصنف على السنة ومتبعيها ، فانه جعل المغفرة المقرونة بالمشيئة وإن لم تكن توبة للمؤمنين من مواعيد الشيطان ، مع العلم بأنها ثابتة بقواطع القرآن وعدا من الرحمن ، وكذلك الشفاعة المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة التي وعد بها الصادق المصدوق ، وميزه الله تعالى بها على كل مخلوق ، من مواعيد الشيطان الباطلة وأمانيه الماحلة. اللهم ارزقنا الشفاعة ، واحشرنا في زمرة السنة والجماعة.

(٤) قوله «بعد أن يصيروا حمما» في الصحاح : الحمم : الرماد والفحم : الواحدة حممة ، ثم ما أفاده من توقف المغفرة على التوبة وعدم الشفاعة في الكبائر ، وعدم خروج أهلها من النار بعد احتراقهم هو مذهب المعتزلة. وأهل السنة على خلاف ذلك ، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)