خلق الله وهم الإناث.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً)(٤١)
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ) يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات ، لأنه مما صرفه وكرّر ذكره ، والمعنى : ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه ، يعنى هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرئ : صرفنا بالتخفيف وكذلك (لِيَذَّكَّرُوا) قرئ مشدّدا ومخففاً ، أى : كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) عن الحق وقلة طمأنينة إليه. وعن سفيان : كان إذا قرأها قال. زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا.
(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً)(٤٣)
قرئ : كما تقولون ، بالتاء والياء. و (إِذاً) دالة على أن ما بعدها وهو (لَابْتَغَوْا) جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل «لو». ومعنى (لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ، كقوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقيل : لتقرّبوا إليه ، كقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ). (عُلُوًّا) في معنى تعاليا. والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر : المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به.
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤)
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال (١) ، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته ، فكأنها
__________________
(١) قال محمود : «المراد تسبيحها بلسان الحال من حيث تدل على الصانع ... الخ» قال أحمد : ولقائل أن يقول : فما يصنع بقوله (كانَ حَلِيماً غَفُوراً) وهو لا يغفر للمشركين ولا يتجاوز عن جهلهم وكفرهم وإشراكهم ، وإنما يخاطب بهاتين الصفتين المؤمنون ، والظاهر أن المخاطب المؤمنون. وأما عدم فقهنا للتسبيح الصادر من الجمادات ، فكأنه ـ والله أعلم ـ من عدم العمل بمقتضى ذلك ، فان الإنسان لو تيقظ حق التيقظ إلى أن النملة والبعوضة وكل ذرة من ذرات الكون تسبح الله وتنزهه وتشهد بجلاله وكبريائه وقهره ، وعمر خاطره بهذا الفهم ، لكان ذلك يشغله عن القوت فضلا عن فضول الكلام والأفعال ، والعاكف على الغيبة التي هي فاكهتنا في زماننا هذا ،