(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٩٧)
(الْأَعْرابُ) أهل البدو (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم ، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) وأحق بجهل حدود الدن وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (١) «إن الجفاء والقسوة في الفدّادين» (٢) (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر (حَكِيمٌ) فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٩٩)
(مَغْرَماً) غرامة وخسراناً. والغرامة : ما ينفقه الرجل وليس يلزمه ، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء ، لا لوجه الله عزّ وجلّ وابتغاء المثوبة عنده (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) دوائر الزمان : دوله وعقبه (٣) لتذهب غلبتكم عليه ليتخلص من إعطاء الصدقة (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) دعاء معترض ، دعى عليهم بنحو ما دعوا به ، كقوله عز وجل (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) وقرئ السوء بالضم وهو العذاب ، كما قيل له سيئة. والسوء بالفتح ، وهو ذمّ للدائرة ، كقولك : رجل سوء ، في نقيض قولك : رجل صدق ، لأنَّ من دارت عليه ذامّ لها (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة (عَلِيمٌ) بما يضمرون. وقيل هم أعراب أسد وغطفان وتميم (قُرُباتٍ) مفعول ثان ليتخذ. والمعنى : أنّ ما ينفقه سبب لحصول القربات
__________________
(١) متفق عليه من حديث أبى موسى الأشعرى في أثناء حديث فيه «وإن الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل» كذا البخاري ولمسلم «إن القسوة وغلظ القلوب».
(٢) قوله «والقسوة في الفدادين» الفدادين : هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم. ورجل فداد : شديد الفديد. وهو الصوت : أفاده الصحاح. (ع)
(٣) قال محمود : «دوائر الزمان : دوله ، وعقبه لتذهب غلبتكم عليه ... الخ» قال أحمد : وفي آية براءة مزيد على مناسبة الدعاء الحال المدعو عليهم ولقولهم ، وذلك أن الذي نسب إليهم تربص الدوائر مطلقاً والذي دعى عليهم به دائرة السوء على التقييد بأسوإ الدوائر لا على الإطلاق ، والله الموفق.