وتصدّق عاصم بن عدىّ بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصارى رضى الله عنه بصاع من تمر فقال : بت ليلتي أجرّ بالجرير (١) على صاعين ، فتركت صاعا لعيالي ، وجئت بصاع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات ، فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبى عقيل ، ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات ، فنزلت (إِلَّا جُهْدَهُمْ) إلا طاقتهم. قرئ بالفتح والضم (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) كقوله : الله يستهزئ بهم في أنه خبر غير دعاء. ألا ترى إلى قوله (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٨٠)
سأل عبد الله بن عبد الله بن أبىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان رجلا صالحا ـ أن يستغفر لأبيه في مرضه ففعل ، فنزلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين» (٢) فنزلت (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) وقد ذكرنا
__________________
ـ معمر عن قتادة قال : تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله. وكان له ثمانية آلاف دينار. فتصدق بأربعة آلاف دينار. فقال أناس من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء. فقال الله عز وجل (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر. فجاء بأحدهما. فقال أناس من المنافقين : إن كان الله لغنيا عن صاع هذا. فقال الله عز وجل (إِلَّا جُهْدَهُمْ) وروى البزار من رواية عمر بن أبى مسلمة عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تصدقوا فانى أريد أن أبعث بعثا فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ، عندي أربعة آلاف درهم ألفان أقرضها ربى وألفان لعيالي ـ الحديث» وفيه «وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من نمر» أخرجه عن طالوت بن عبادة عن أبى عوانة عنه وقال : تفرد طالوت بوصله ثم رواه عن أبى كامل عن أبى عوانة ومن طريقه ابن مردويه وفي المغازي بأربعة آلاف وقام عاصم بن عدى فتصدق بمائة وسق من تمر فألقاه في الصدقة فتضاحكوا به وقالوا : إن الله لغنى عن صاع أبى عقيل» انتهى وقصة أبى عقيل أخرجها إبراهيم الحربي والطبراني والطبري من رواية خالد بن يسار عن ابن أبى عقيل عن أبيه قال «بت أجر الجرير على ظهري على صاعين من تمر ـ الحديث» وفي إسناده موسى بن عبدة وهو ضعيف قلت : قصة أبى عقيل أخرجها البخاري من حديث أبى مسعود الأنصارى باختصار وفيه «جاء إنسان آخر بأكثر من ذلك» وفي رواية : بشيء كثير.
(١) قوله «بالجرير» هو حبل البعير. ويروى : أجر بالجرير الماء كذبها ، من أجر. (ع)
(٢) لم أجده بهذا السياق وأصله في المتفق عليه عن ابن عمر رضى الله عنهما قال «لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ثم سأله أن يصلى عليه ، فقام يصلى عليه فأخذ عمر رضى الله عنه بثوبه فقال : أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلى عليه فقال إنما خيرنى فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية وسأزيده على السبعين فصلى عليه فأنزل الله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) فتركت الصلاة عليهم ـ لفظ مسلم