همّ المنافقون بقتل عامر لردّه على الجلاس. وقيل : أرادوا أن يتوّجوا عبد الله بن أبىّ وإن لم يرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (وَما نَقَمُوا) وما أنكروا وما عابوا (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ) وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فأثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثنى عشر ألفاً فاستغنى (فَإِنْ يَتُوبُوا) هي الآية التي تاب عندها الجلاس (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) بالقتل والنار.
(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ)(٧٧)
روى أنّ ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالا ، فقال صلى الله عليه وسلم : «يا ثعلبة ، قليل تؤدّى شكره خير من كثير لا تطيقه (١)» فراجعه وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطينّ كل ذى حق حقه ، فدعا له ، فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة ، فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : كثر ماله حتى لا يسعه واد. قال : يا ويح ثعلبة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقين لأخذ الصدقات ، فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ، ومرّا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه الفرائض ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، وقال : ارجعا حتى أرى رأيى ، فلما رجعا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه : يا ويح ثعلبة مرّتين ، فنزلت ، فجاءه ثعلبة بالصدقة ، فقال : إنّ الله منعني أن
__________________
ـ أربعة عشر ، فان كنت فيهم فهم خمسة عشر» ومن هذا الوجه رواه الطبراني والبزار وقال روى من طريق عن حذيفة وهذا أحسنها وأصلحها إسنادا. ورواه ابن إسحاق في المغازي ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبى البختري عن حذيفة بن اليمان. قال : كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به. وعمار رضى الله عنه يسوق الناقة حتى إذا كنا بالعقبة وإذا اثنى عشر راكبا قد اعترضوه فيها قال : فانتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين.
(١) أخرجه الطبراني والبيهقي في الدلائل والشعب وابن أبى حاتم والطبري وابن مردويه كلهم من طريق على بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أمامة. وهذا إسناد ضعيف جدا. فقال السهيلي عن ابن إسحاق ثعلبة بن حاطب قمر البدريين. وعن ابن إسحاق أيضا في المنافقين وذكر هذه الآية التي نزلت فيه. فلعلهما اثنان.