الحسن : في منامك في عينك ، لأنها مكان النوم ، كما قيل للقطيفة (١) : المنامة ، لأنه ينام فيها. وهذا تفسير فيه تعسف ، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن ، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته (لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم وهبتم الإقدام (وَلَتَنازَعْتُمْ) في الرأى ، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم ، وترجحتم بين الثبات والفرار (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أى عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعلم ما سيكون فيها من الجرأة والجبن والصبر والجزع.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٤٤)
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الضميران مفعولان. يعنى : وإذ يبصركم إياهم. و (قَلِيلاً) نصب على الحال ، وإنما قللهم في أعينهم تصديقاً لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدّوا ويثبتوا. قال ابن مسعود رضى الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم؟ قال. ألفاً (٢) (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور. فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ليجترءوا عليهم ، قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا ، وتفل شوكتهم (٣) حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم ، وذلك قوله (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أوّلا وكثرتهم آخراً. فإن قلت : بأى طريق يبصرون الكثير قليلا (٤)؟ قلت بأن يستر الله عنهم
__________________
(١) قوله «للقطيفة» هي دثار مخمل. اه صحاح. (ع)
(٢) قال إسحاق في مسنده : أخبرنا عمرو بن محمد ، ويحيى بن آدم قال حدثنا إسرائيل. عن أبى إسحاق عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود. فذكره ، ومن هذا الوجه أخرجه الطبري وابن أبى حاتم.
(٣) قوله «وتفل شوكتهم» أى تكسر. أفاده الصحاح. (ع)
(٤) قال محمود : «إن قلت بأى طريق يبصرون الكثير قليلا ... الخ» قال أحمد : وفي هذا دليل بين على أن الله تعالى هو الذي يخلق الإدراك في الحاسة غير موقوف على سبب من مقابلة أو قرب أو ارتفاع حجب أو غير ذلك ، إذ لو كانت هذه الأسباب موجبة للرؤية عقلا لما أمكن أن يستر عنهم البعض وقد أدركوا البعض ، والسبب الموجب مشترك ، فعلى هذا يجوز أن يخلق الإدراك مع اجتماعها ، فلا ربط إذا بين الرؤية ونفيها في مقدرة الله تعالى ، وهي رادة على القدرية المنكرين لرؤية الله تعالى ، بناء على اعتبار هذه الأسباب في حصول الإدراك عقلا ، وأنها تستلزم الجسمية ، إذ المقابلة والقرب وارتفاع الحجب إنما تتأتى في جسم ، فهذه الآية حسبهم في إبطال زعمهم ، ولكنهم يمرون عليها. وهم عنها معرضون ، والله الموفق.