طلحة : مهادا. ومعنى جعلها فراشا وبساطا ومهادا للناس : أنهم يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده. فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الأرض مسطحة وليست بكرّية؟ قلت : ليس فيه إلا أن الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش ، وسواء كانت على شكل السطح. أو شكل الكرة ، فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع ، لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها. وإذا كان متسهلا في الجبل وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل. والبناء مصدر سمى به المبنى ـ بيتا كان أو قبة أو خباء أو طرافا ـ وأبنية العرب : أخبيتهم ، ومنه بنى على امرأته ، لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا. فإن قلت : ما معنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيئته؟ قلت : المعنى أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادّة لها ، كماء الفحل في خلق الولد ، وهو قادر على أن ينشئ الأجناس كلها بلا أسباب ولا موادّ كما أنشأ نفوس الأسباب والموادّ ، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال ، وناقلا من مرتبة إلى مرتبة حكما ودواعي يجدد فيها لملائكته والنظار بعيون الاستبصار من عباده عبرا وأفكارا صالحة ، وزيادة طمأنينة ، وسكون إلى عظيم قدرته وغرائب حكمته ، ليس ذلك في إنشائها بغتة من غير تدريج وترتيب. و «من» في (مِنَ الثَّمَراتِ) للتبعيض بشهادة قوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، وقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ). ولأنّ المنكرين أعنى : ماء ، ورزقا. يكتنفانه. وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضية فكأنه قيل : وأنزلنا من السماء بعض الماء ، فأخرجنا به بعض الثمرات ، ليكون بعض رزقكم. وهذا هو المطابق لصحة المعنى ، لأنه لم ينزل من السماء الماء كله ، ولا أخرج بالمطر جميع الثمرات ، ولا جعل الرزق كله في الثمرات. ويجوز أن تكون للبيان كقولك : أنفقت من الدراهم ألفا. فإن قلت : فيم انتصب (رِزْقاً)؟ قلت : إن كانت «من» للتبعيض. كان انتصابه بأنه مفعول له. وإن كانت مبنية ، كان مفعولا لأخرج. فإن قلت : فالثمر المخرج بماء السماء كثير جمّ فلم قيل الثمرات دون الثمر والثمار؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما أن يقصد بالثمرات جماعة الثمرة التي في قولك : فلان أدركت ثمرة بستانه ، تريد ثماره. ونظيره قولهم : كلمة الحويدرة ، لقصيدته. وقولهم للقرية : المدرة ، وإنما هي مدر متلاحق. والثاني : أنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية ، كقوله : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) و (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). ويعضد الوجه الأوّل قراءة محمد بن السميقع : من الثمرة ، على التوحيد. و (قَبْلِكُمْ) صفة جارية على الرزق إن أريد به العين ، وإن جعل