وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة ، فهو من علماء العربية ، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء : الدليل عليه بيت الحماسة ، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه. ومعنى (قامُوا) وقفوا وثبتوا في مكانهم. ومنه : قامت السوق ، إذا ركدت وقام الماء : جمد. ومفعول (شاءَ) محذوف ، لأن الجواب يدل عليه. والمعنى : ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» و «أراد» لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله :
فلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِى دَماً لَبَكَيْتُهُ (١)
وقوله تعالى «لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ، (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً). وأراد : ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد ، وأبصارهم بوميض البرق. وقرأ ابن أبى عبلة : لأذهب بأسماعهم ، بزيادة الباء كقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ). والشيء : ما صح أن يعلم ويخبر عنه. قال سيبويه ـ في ساقة الباب المترجم بباب مجارى أواخر الكلم من العربية ـ : وإنما يخرج التأنيث من التذكير. ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى؟. والشيء : مذكر ، وهو أعم العام : كما أن الله أخص الخاص يجرى على الجسم والعرض
__________________
ـ الدهر. والشجي : ما نشب في الحلق لا يصعد ولا ينزل. والمشرق المغرب : الذاهب شرقا وغربا. والمراد التعميم. والترهة : فارسى معرب بمعنى الطريق الصغيرة غير الجادة ، والجمع ترهات وتراريه. ثم استعير للباطل وصار اسما له ، والمعنى : إن أردت مرشدي فهو عقلى ، أو مؤدبى فدهرى. فالاستفهام بمعنى الشرط مجاراً ، ويحتمل أنه توبيخي والفاء تعليلية لمحذوف ، أى لا ينبغي إرادة إرشادى ولا تأديبى ، فان دهري وعقلى تكفلا بذلك. وبين ذلك بقوله «هما أظلما» واستعمال أظلم متعديا لغة رديئة. وحالى : مفعول. والاظلام استعارة لتنغيص العيش وتكدير الخاطر. وأجليا : أزالا وكشفا ظلاميهما. والظلامان : استعارة للتكدر والتنغص. وقوله «شجى» بدل من الأمرد ، أى كالشجى. وشبه الحوادث بحيوانات لها حلوق على طريق المكنية والحلوق تخييل لذلك. والمعنى أن الحوادث صارت لا تؤثر فيه ومضى به عزمه في جميع طرق الهزل كما مضى به في الجد ، وبين مشرق مغرب طباق التضاد.
(١) ملكت دموع العين حين رددتها |
|
إلى ناظري والعين كالقلب تدمع |
ولو شئت أن أبكى دما لبكيته |
|
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع |
لابن يعقوب إسحاق بن حسان الخذيمى ، يرثى أبا الهيذام عامر بن عمار أمير عرب الشام. يقول : غلبت دموع عينى وقدرت عليها حين رددتها إلى مكانها. ويروى «ثم رددتها» والحال أنها تدمع دمعا كالقلب في الحمرة والحرقة ، أو بدمع على وجه التبعية للقلب. ويروى «فالعين في القلب» مبالغة في فكره وحزنه المضمر فيه. وذكر مفعول المشيئة مع أنه صار في استعمالهم نسيا منسياً لأنه شيء مستغرب فحسن ذكره. وضمن «أبكى» معنى أدمع ، فعداه إلى الدم مع أنه لا يتعدى إلا إلى المبكى عليه. وشبه الصبر بكريم أو ببيت له ساحة على سبيل المكنية. والمراد أنه يترك الجزع ويعدل إلى الصبر فيتصف به.