التكاليف الصعبة في زمان الوحى وهو ما دام الرسول بين أظهركم يوحى إليه ، تبد لكم. تلك التكاليف الصعبة التي تسؤكم ، وتؤمروا بتحملها ، فتعرّضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها (عَفَا اللهُ عَنْها). عفا الله عما سلف. من مسألتكم ، فلا تعودوا إلى مثلها (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يعاجلكم فيما يفرط منكم بعقوبته. فإن قلت : كيف قال : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) ثم قال : (قَدْ سَأَلَها) ولم يقل. قد سأل عنها؟ قلت : الضمير في : (سَأَلَها) ليس براجع إلى أشياء حتى تجب تعديته بعن ، وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها (لا تَسْئَلُوا) يعنى قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها) أى بمرجوعها أو بسببها (كافِرِينَ) وذلك أنّ بنى إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا.
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٣)
كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر ، بحروا أذنها ، أى شقوها
__________________
ـ من وجه آخر عن جابر ، وللنسائى وابن ماجة من حديث سراقة بن مالك نفسه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم «يا رسول الله ، عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال : لا ، بل للأبد. دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» وأما عكاشة بن محصن فرواه الطبري وابن مردويه من طريق محمد بن زياد : سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج ، فقال عكاشة بن محصن الأسدى : أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : أما أنا لو قلت نعم لوجبت. ولو وجبت ثم تركتم لضللتم. اسكتوا عنى ما سكت عنكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) الآية وهو أقرب إلى سياق المصنف ، دون ما في آخره مما ذكره المصنف فهو في الحديث الآتي. وأخرج الطبري من طريق أبى إسحاق الهجري عن ابن عباس عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله كتب عليكم الحج فقال رجل : كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا. فقال : من السائل؟ فقيل فلان. فقال : والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموه. ولو تركتموه لكفرتم. فأنزل الله تعالى هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) وأخرج أيضا من طريق معاوية بن يحيى عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبى أمامة أنه سمعه يقول «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وقال : كتب عليكم الحج فقام رجل من الأعراب ـ فذكر الحديث ، وفيه فقال : ويحك ما ذا يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم. وأما بقيته ففيما أخرجه مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبى هريرة «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثالثا. فقال لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم. ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» وقد سأل عن الحج الأقرع بن حابس فعند بعض السنن من حديث ابن عباس «أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ فقال : مرة واحدة. فما زاد فهو تطوع» وأخرجه الطبري من هذا الوجه. فسمى الرجل محصنا الأسدى ، وعند غيره عكاشة بن محصن.