عجبت من ضرب زيد ، وقرأ السلمىّ على الأصل وقرأ محمد بن مقاتل ، فجزاء مثل ما قتل ، بنصبهما ، بمعنى : فليجز جزاء مثل ما قتل. وقرأ الحسن : من النعم ، بسكون العين ، استثقل الحركة على حرف الحلق فسكنه (يَحْكُمُ بِهِ) بمثل ما قتل (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) حكمان عادلان من المسلمين. قالوا : وفيه دليل على أن المثل القيمة ، لأنّ التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة. وعن قبيصة أنه أصاب ظبياً وهو محرم فسأل عمر ، فشاور عبد الرحمن بن عوف ، ثم أمره بذبح شاة ، فقال قبيصة لصاحبه : والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره ، فأقبل عليه ضرباً بالدرّة وقال : أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم. قال الله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فأنا عمر ، وهذا عبد الرحمن (١). وقرأ محمد بن جعفر ذو عدل منكم ، أراد يحكم به من يعدل منكم ولم يرد الوحدة. وقيل أراد الإمام (هَدْياً) حال عن جزاء فيمن وصفه بمثل ، لأنّ الصفة خصصته فقرّبته من المعرفة ، أو بدل عن مثل فيمن نصبه ، أو عن محله فيمن جرّه. ويجوز أن ينتصب حالا عن الضمير في به. ووصف هدياً ب (بالِغَ الْكَعْبَةِ) لأن إضافته غير حقيقية. ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم ، فأما التصدّق به فحيث شئت عند أبى حنيفة ، وعند الشافعي في الحرم. فإن قلت : بم يرفع (كَفَّارَةٌ) من ينصب جزاء؟ قلت : يجعلها خبر مبتدإ محذوف ، كأنه قيل : أو الواجب عليه كفارة. أو يقدر : فعليه أن يجزى جزاء أو كفارة. فيعطفها على أن يجزى. وقرئ : أو كفارة طعام مساكين على الإضافة. وهذه الإضافة مبينة ، كأنه قيل : أو كفارة من طعام مسكين ، كقولك : خاتم فضة ، بمعنى خاتم من فضة. وقرأ الأعرج : أو كفارة طعام مساكين. وإنما وحد ، لأنه واقع موقع التبيين ، فاكتفى بالواحد الدال على الجنس. وقرئ : أو عدل ذلك ، بكسر العين. والفرق بينهما أن عدل الشيء ما عادله من غير جنسه ، كالصوم والإطعام. وعدله ما عدل به في المقدار ، ومنه عدلا الحمل ، لأن كل واحد منهما عدل بالآخر حتى اعتدلا ، كأن المفتوح تسمية بالمصدر ، والمكسور بمعنى المفعول به ، كالذبح ونحوه ، ونحوهما الحمل والحمل. و (ذلِكَ) إشارة إلى الطعام (صِياماً) تمييز للعدل كقولك : لي مثله رجلا. والخيار في ذلك إلى قاتل الصيد عند أبى حنيفة وأبى يوسف. وعند محمد إلى الحكمين (لِيَذُوقَ) متعلق بقوله : (فَجَزاءٌ) أى فعليه أن يجازى أو يكفر ، ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام. والوبال : المكروه والضرر الذي يناله في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه ، كقوله تعالى : (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) ثقيلا. والطعام الوبيل : الذي يثقل على المعدة فلا يستمرأ (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) لكم من الصيد في حال الإحرام قبل أن تراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألوه عن جوازه. وقيل : عما سلف لكم في الجاهلية منه ، لأنهم كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم وكان الصيد فيها محرماً (وَمَنْ عادَ) إلى قتل الصيد وهو محرم بعد
__________________
(١) رواه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير فذكره. وفيه الزيادة التي في آخره.