منكم وتقشفاً (١) وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوماً لأصحابه ، فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار ، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون ، واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح (٢) ويسيحوا في الأرض ، ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إنى لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنى أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتى النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس منى (٣) ونزلت. وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ ، وكان يعجبه الحلواء والعسل. وقال : «إن المؤمن حلو يحب الحلاوة (٤)» وعن ابن مسعود أن رجلا قال له : إنى حرمت الفراش فتلا هذه
__________________
(١) قوله «تقشفا» وفي الصحاح «قشف» بالكسر : قشفا ، إذا لوحته الشمس أو الفقر فتغير. والمتقشف : الذي يتبلغ بالقوت وبالمرقع. (ع)
(٢) قوله «ويلبسوا المسوح» المسوح : أكسية غلاظ تعمل منها الغرائر للتبن. أفاده الصحاح في مادة لبس
(٣) ذكره الواحدي هكذا في أسبابه بغير إسناد. لكن قال المفسرون ـ فذكره سواه ، وقد أورده الطبري من طريق السدى في هذه الآية قال «وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما. فذكر الناس ثم قام ولم يزدهم على التخويف فقام ناس من أصحابه فذكره بمعنى ما تقدم» وهو منتزع من أحاديث ، وأصله في الصحيحين عن عائشة» أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواجه عن عمله في السر. فقال بعضهم : لا آكل اللحم. وقال بعضهم : لا أتزوج النساء. وقال بعضهم : لا أنام على فراش ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا ولكنى أصوم وأفطر. وأنام وأقوم. وآكل اللحم وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس منى» وفي الصحيحين عن سعد بن أبى وقاص قال «رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل. ولو أذن له لاختصينا» وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة مراجعته النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم والصلاة فقال صلى الله عليه وسلم «صم وأفطر ، وقم ونم. فان لنفسك عليك حقا ـ الحديث» وروى الطبري من طريق ابن جريج عن مجاهد قال «أراد رجال ، منهم عثمان بن مظعون وعبد الله ابن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح» ومن طريق ابن جريج عن عكرمة «أن عثمان بن مظعون وعلى ابن أبى طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالما مولى أبى حذيفة ، في جماعة من الصحابة تبتلوا فجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس. وهموا بالاختصاء. واجتمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) ـ الآية قال : فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وصلوا وناموا. فليس منا من ترك سنتنا»
(٤) هذا منتزع من أحاديث. أما أكل الدجاج فمتفق عليه من حديث أبى موسى الأشعرى في قصة له. وأما أكله الفالوذ فرواه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام قال «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إذ أقبل عثمان بن مظعون ومعه راحلة عليها غرارتان فذكر الحديث ـ وفيه فطبخ الدقيق والسمن والعسل حتى نفح ثم أكل» وهو من رواية الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزة مضعفا وأعله ابن الجوزي بضعف الوليد. وأما «كان يعجبه الحلوى والعسل» فمتفق عليه من حديث همام عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها. وأما الأخير فذكره الديلمي في الفردوس عن على بن أبى طالب رضى الله عنه.