الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضاراً لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها. قرئ : أن لا يكون ، بالنصب على الظاهر. وبالرفع على «أن» هي المخففة من الثقيلة ، أصله : أنه لا يكون فتنة فخففت «أن» وحذف ضمير الشأن.
(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٧١)
فإن قلت : كيف دخل فعل الحسبان على «أن» التي للتحقيق؟ قلت : نزل حسبانهم لقوّته في صدورهم منزلة العلم : فإن قلت : فأين مفعولا حسب؟ قلت : سدّ ما يشتمل عليه صلة أن وأنّ من المسند والمسند إليه مسدّ المفعولين ، والمعنى : وحسب بنو إسرائيل أنه لا يصيبهم من الله فتنة ، أى بلاء وعذاب في الدنيا والآخرة (فَعَمُوا) عن الدين (وَصَمُّوا) حين عبدوا العجل ، ثم تابوا عن عبادة العجل ف (تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) كرة ثانية بطلبهم المحال غير المعقول في صفات الله وهو (١) الرؤية. وقرئ : عموا وصموا ، بالضم على تقدير عماهم الله وصمهم ، أى رماهم وضربهم بالعمى والصمم ، كما يقال : تركته إذا ضربته بالنيزك (٢) وركبته إذا ضربته بركبتك (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) بدل من الضمير : أو على قولهم : أكلونى البراغيث ، أو هو خبر مبتدإ محذوف أى أولئك كثير منهم.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(٧٢)
لم يفرق عيسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوب كمثلهم ، وهو احتجاج على النصارى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) في عبادته ، أو فيما هو مختص به من صفاته أو أفعاله (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) التي هي دار الموحدين أى حرّمه دخولها ومنعه منه ، كما يمنع المحرّم من المحرّم عليه (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) من كلام الله على أنهم ظلموا (٣) وعدلوا
__________________
(١) قوله «وهو الرؤية» أحالها مذهب المعتزلة ، وأجازها أهل السنة كما حقق في محله. (ع)
(٢) قوله «إذا ضربته بالنيزك» هو الرمح القصير ، وهو فارسى معرب ، أصله نيزه ، فأبدلت الهاء كافا. كذا بهامش ، وأصله في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «على أنهم ظلموا» لعله على معنى أنهم. (ع)