وَإلّا فَاعْلمُوا أنَّا وأنْتُمْ |
|
بُغَاةٌ مَا بَقِينَا فِى شِقَاقِ (١) |
أى فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك ، فإن قلت : هلا زعمت أن ارتفاعه للعطف على محل إن واسمها؟ قلت : لا يصح ذلك قبل الفراغ من الخبر ، لا تقول : إن زيدا وعمرو منطلقان. فان قلت لم لا يصح والنية به التأخير ، فكأنك قلت : إنّ زيدا منطلق وعمرو؟ قلت : لأنى إذا رفعته رفعته عطفا على محل إن واسمها ، والعامل في محلهما هو الابتداء ، فيجب أن يكون هو العامل في الخبر لأن الابتداء ينتظم الجزأين في عمله كما تنتظمها «إن» في عملها ، فلو رفعت الصابئون المنوىّ به التأخير بالابتداء وقد رفعت الخبر بأنّ ، لأعملت فيهما رافعين مختلفين. فان قلت : فقوله والصابئون معطوف لا بد له من معطوف عليه فما هو؟ قلت : هو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ... ولا محل لها ، كما لا محل للتي عطفت عليها ، فان قلت : ما التقديم والتأخير إلا لفائدة ، فما فائدة هذا التقديم؟ قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح ، فما الظن بغيرهم. وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدّهم غيا ، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبؤا عن الأديان كلها ، أى خرجوا ، كما أن الشاعر قدم قوله «وأنتم» تنبيها على أن المخاطبين أو غل في الوصف بالبغاة من قومه ، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو «بغاة» لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم ، مع كونهم أو غل فيه منهم وأثبت قدما فان قلت : فلو قيل والصابئين وإياكم لكان التقديم حاصلا. قلت : لو قيل هكذا لم يكن من التقديم في شيء ، لأنه لا إزالة فيه عن موضعه ، وإنما يقال مقدّم ومؤخر للمزال لا للقارّ في مكانه. ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض في الكلام. فان قلت : كيف قال : (الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال : (مَنْ آمَنَ)؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يراد بالذين آمنوا : الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون وأن يراد بمن آمن. من ثبت على الإيمان واستقام ولم يخالجه ريبة فيه. فان قلت : ما محل من آمن
__________________
(١) إذا جزت نواصي آل بدر |
|
فأدوها وأسرى في الوثاق |
وإلا فاعلموا أنا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق |
لبشر بن أبى خازم الأسدى ، يخاطب بنى طيئ ويتوعدهم بما صنعوا بآل بدر حلفاء بنى أسد. والباصية : مقدم شعر الرأس : وجز النواصي حقيقة ، على عادتهم من جز ناصية الأسير إذا أرادوا إطلاقه ، فطالبهم بمقتضاها وقال : فأدوها ، أى الأسرى التي جزت نواصبها. أو أدوا النواصي نفسها. ويجوز أنه مجاز عن قتل كبرائهم. وقوله «فأدوها» أى دماء القتلى وأسرى عطف على الضمير المفعول. وإلا ، أى وإن لا تفعلوا فاعلموا أنا وأنتم بغاة. وبغاة : خبر إنا. وخبر أنتم محذوف ، أى بغاة أيضا. ولم يجعل المذكور خبراً عنه أيضا ، لأنه ليس عطفا على اسم إن ، وإلا لقال : إنا وإياكم ، بل هو من عط ف الجمل. ولا يقال فيه العطف على الجملة قبل تمامها ، لا نقول : سمع العطف قبل المعطوف عليه بالكلية في قوله : عليك ورحمة الله السلام. و «في شقاق» خبر ثان ، أى في خلاف ما بقينا ، أى مدة بقائنا ، يعنى وأنتم تعلمون بأسنا في الحرب.