فاسقون. ويجوز أن يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف ، كأنه قيل : وما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم وفسقكم واتباعكم الشهوات. ويدل عليه تفسير الحسن : بفسقكم نقمتم ذلك علينا.
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) (٦١)
وروى أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال «أو من بالله وما أنزل إلينا إلى قوله : ونحن له مسلمون» فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام : ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شراً من دينكم (١). فنزلت. وعن نعيم بن ميسرة : وإنّ أكثركم ، بالكسر. ويحتمل أن ينتصب (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ) بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون ، أى : ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون ، أو يرتفع على الابتداء والخبر محذوف ، أى وفسقكم ثابت معلوم عندكم ، لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل ، إلا أن حب الرياسة وكسب الأموال لا يدعكم فتنصفوا (ذلِكَ) إشارة إلى المنقوم ، ولا بدّ من حذف مضاف قبله ، أو قبل «من» تقديره : بشرّ من أهل ذلك ، أو دين من لعنه الله. و (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) في محل الرفع على قولك : هو من لعنه الله ، كقوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) أو في محل الجر على البدل من شرّ. وقرئ : مثوبة. ومثوبة. ومثالهما : مشورة ، ومسورة. فإن قلت : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف جاءت في الإساءة؟ قلت : وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله :
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ (٢)
__________________
(١) أخرجه الواحدي في الأسباب. والوسط عن ابن عباس بهذا وأخرجه الطبري من رواية ابن إسحاق حدثني محمد بن أبى محمد ، مولى زيد بن ثابت. حدثني سعيد أو عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود وفيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبى رافع. وعازر وآزار ابني آزار. وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فذكر نحوه. وفيه فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته. وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به.
(٢) مر شرح هذا الشاهد ص ٦٠ من هذا الجزء فراجعه إن شئت اه مصححه.