ذلك في قولهم (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ) أو يجعل (يَقِيناً) تأكيداً لقوله : (وَما قَتَلُوهُ) كقولك : ما قتلوه حقا أى حق انتفاء قتله حقا. وقيل : هو من قولهم : قتلت الشيء علماً ونحرته علماً إذا تبلغ فيه علمك. وفيه تهكم ، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفياً كليا بحرف الاستغراق. ثم قيل : وما علموه علم يقين وإحاطة لم يكن إلا تهكما بهم (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمننّ به. ونحوه : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ، (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمننّ قبل موته بعيسى ، وبأنه عبد الله ورسوله ، يعنى : إذا عاين قبل أن تزهق روحه (١) حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف. وعن شهر بن حوشب : قال لي الحجاج : آية ما قرأتها (٢) إلا تخالج في نفسي شيء منها (٣) يعنى هذه الآية ، وقال إنى أوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك ، فقلت : إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا يا عدوّ الله ، أتاك موسى نبيا فكذبت به فيقول : آمنت أنه عبد نبىّ. وتقول للنصراني : أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه الله أو ابن الله ، فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. قال : وكان متكئاً فاستوى جالساً فنظر إلىّ وقال : ممن؟ قلت : حدثني محمد بن علىّ بن الحنفية ، فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال : لقد أخذتها من عين صافية ، أو من معدنها. قال الكلبي : فقلت له : ما أردت إلى أن تقول حدثني محمد بن علىّ بن الحنفية. قال : أردت أن أغيظه ، يعنى بزيادة اسم علىّ ، لأنه مشهور بابن الحنفية. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك ، فقال له عكرمة : فإن أتاه رجل فضرب عنقه قال : لا تخرج نفسه حتى يحرّك بها شفتيه. قال : وإن خرّ من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع قال : يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن (٤) به. وتدل عليه قراءة أبىّ : إلا ليؤمننّ به قبل موتهم ، بضم النون على معنى : وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم ، لأنّ أحداً يصلح للجمع. فإن
__________________
(١) قال محمود : «يعنى إذا عاين قبل أن تزهق روحه ... الخ» قال أحمد : كقول فرعون لما عاين الهلاك : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.
(٢) عاد كلامه. قال محمود : «وعن شهر بن حوشب قال لي الحجاج آية ما قرأتها ... الخ». قال أحمد : ويبعد هذا التأويل قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) فان ظاهره التهديد ، ولكن ما أريد بقوله في حق هذه الأمة (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) والله أعلم.
(٣) لم أجده. قلت : هو في تفسير الكلبي ، رواه عن شهر. ورأيته قديما في كتاب المبتدإ وقصص الأنبياء لوثيمة بسنده من هذا الوجه.
(٤) لم أجده هكذا. وأخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدى قال : قال ابن عباس رضى الله عنهما «ليس من يهودى يموت حتى يؤمن بعيسى بن مريم. فقال له رجل من أصحابه : كيف والرجل يغرق أو يحترق ، أو يسقط عليه الجدار أو يأكله السبع؟ فقال : لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الايمان بعيسى عليه الصلاة والسلام