السماء حتى ينزل على أوليائه. وأمّا ظفر الكافرين ، فما هو إلا حظ دنىّ ولمظة من الدنيا (١) يصيبونها.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (١٤٣)
(يُخادِعُونَ اللهَ) يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر (وَهُوَ خادِعُهُمْ) وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث تركهم معصومى الدماء والأموال في الدنيا وأعدّ لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ، ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم. والخادع : اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه. وقيل : يعطون على الصراط نوراً كما يعطى المؤمنون فيمضون بنورهم ثم يطفأ نورهم ويبقى نور المؤمنين ، فينادون : انظرونا نقتبس من نوركم (كُسالى) قرئ بضم الكاف وفتحها ، جمع كسلان ، كسكارى في سكران ، أى يقومون متثاقلين متقاعسين ، كما ترى من يفعل شيئاً على كره لا عن طيبة نفس ورغبة (يُراؤُنَ النَّاسَ) يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة (٢) (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) ولا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به ، وما يجاهرون به قليل أيضاً لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه. أو ولا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا في الندرة ، وهكذا ترى كثيراً من المتظاهرين بالإسلام لو صحبته الأيام
__________________
ـ وأرض لم يطؤها. وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا ، فالتفريق بينهما مطابق أيضاً للواقع ، والله أعلم.
(١) قوله «ولمظة من الدنيا» في الصحاح : لمظ يلمظ ـ بالضم ـ لمظا ، إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه. واللمظة ـ بالضم ـ كالنكتة من البياض. (ع)
(٢) قال محمود : «لأنهم إنما يصلون رياء ما دام من يرقبهم ، فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا أو لا يذكرون الله بالتهليل والتسبيح إلا ذكراً قليلا في الندرة وهكذا ترى كثيراً من المتظاهرين بالإسلام لو صحبته الأيام والليالي لم تسمع منه تهليلة ولا تحميدة ، ولكن حديث الدنيا يستغرق به أوقاته لا يفتر عنه. ولا يجوز أن يراد بالقلة العدم» انتهى كلامه. قلت : وإنما منع من أن يراد بها العدم لأنه خبر فيجب صدقه ، وقد كانوا يذكرون الله في بعض الأحيان فلا يمكن أن يسلب ذكر الله مطلقا ، وإذا بنينا على أن المراد بالذكر الصلاة وهو الظاهر ، فالمراد أيضا الصلاة المعتبرة التي يذكر بها الإنسان حق الله عليه فينتهى عن الفحشاء والمنكر. والصلاة في هذا الوجه مسلوبة عن المنافقين مطلقا ، فيجوز إذا حمل القلة على العدم بهذا التفسير ، والله أعلم.