وهو في أطم (١) فقتل منه أبو جهل في الذروة والغارب ، وقال : أليس محمد يحثك على صلة الرحم ، انصرف وبرّ أمك وأنت على دينك ، حتى نزل وذهب معهما ، فلما فسحا عن المدينة كتفاه ، وجلده كل واحد مائة جلدة ، فقال للحارث : هذا أخى ، فمن أنت يا حارث؟ لله علىّ إن وجدتك خاليا أن أقتلك ، وقدما به على أمه ، فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد ، ففعل ثم هاجر بعد ذلك وأسلم ، وأسلم الحارث وهاجر ، فلقيه عياش بظهر قباء ـ ولم يشعر بإسلامه ـ فأنحى عليه فقتله ، ثم أخبر بإسلامه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قتلته ولم أشعر بإسلامه (٢) ، فنزلت (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فعليه تحرير رقبة. والتحرير : الإعتاق. والحر والعتيق : الكريم ، لأن الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد. ومنه : عتاق الخيل ، وعتاق الطير لكرامها. وحرّ الوجه : أكرم موضع منه. وقولهم للئيم «عبد» وفلان عبد الفعل : أى لئيم الفعل. والرقبة : عبارة عن النسمة ، كما عبر عنها بالرأس في قولهم : فلان يملك كذا رأساً من الرقيق. والمراد برقبة مؤمنة : كل رقبة كانت على حكم الإسلام عند عامة العلماء. وعن الحسن : لا تجزئ إلا رقبة قد صلت وصامت ، ولا تجزئ الصغيرة. وقاس عليها الشافعي كفارة الظهار ، فاشترط الإيمان. وقيل : لما أخرج نفسا مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار ، لأنّ إطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل أن الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار (مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث ، لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء ، يقضى منها الدين ، وتنفذ الوصية وإن لم يبق وارثا فهي لبيت المال ، لأن المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «أنا وارث من لا وارث له» (٣) وعن عمر رضى الله عنه أنه قضى بدية المقتول ، فجاءت امرأته تطلب ميراثها من عقله فقال : لا أعلم لك شيئاً ، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه. فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال : كتب إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنى أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم. فورّثها عمر (٤) ، وعن ابن مسعود:
__________________
(١) قوله «وهو في أطم فقتل منه» الأطم : الحصن ، أفاده الصحاح. وفيه : ما زال فلان يقتل من فلان في الذروة والغارب ، أى يدور من وراء خديعته. (ع)
(٢) أخرجه الثعلبي بغير سند ، والواحدي عن ابن الكلبي. ورواه الطبري من طريق أسباط عن السدى بتغيير يسير ، ولم يسم الحرث. فقال : ومعه رجل من بنى عامر وقال ابن إسحاق في المغازي : حدثني نافع عن ابن عمر عن أبيه قال «أبعدت أنا وعياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص : لما أردنا الهجرة. فأصبحت أنا وعياش. وحبس عنا هشام وفتى. وخرج أبو جهل وأخوه الحرث إلى عياش بالمدينة فكلماه وقالا له : إن أمك نذرت أن لا تمس رأسها بمشط ، فذكر القصة بطولها.
(٣) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث المقدام بن معديكرب به ، وأتم منه.
(٤) أخرجه أصحاب السنن من رواية سعيد بن المسيب «أن عمر رضى الله عنه كان يقول : الدية للعاقلة ، ـ