كفركم فكونكم معهم شرعاً (١) واحداً فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء. فلا تتولوهم وإن آمنوا حتى يظاهروا إيمانهم بهجرة صحيحة هي لله ورسوله ـ لا لغرض من أغراض الدنيا ـ مستقيمة ليس بعدها بداء ولا تعرّب. (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة ، فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحلّ والحرم ، وجانبوهم مجانبة كلية ، وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) استثناء من قوله (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) ومعنى (يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ) ينتهون إليهم ويتصلون بهم. وعن أبى عبيدة : هو من الانتساب. وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتميت إليه. وقيل : إن الانتساب لا أثر له في منع القتال ، فقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من هو من أنسابهم ، والقوم هم الأسلميون ، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وعلى أنّ من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال. وقيل : القوم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح (أَوْ جاؤُكُمْ) لا يخلو من أن يكون معطوفا على صفة قوم ، كأنه قيل : إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين ، أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم ، أو على صلة الذين ، كأنه قيل : إلا الذين يتصلون بالمعاهدين ، أو الذين لا يقاتلونكم والوجه العطف على الصلة لقوله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) بعد قوله : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فقرّر أن كفهم عن القتال أحد سببى استحقاقهم لنفى التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم. فإن قلت : كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء ، واستحقاق إزالة التعرّض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمكافين ، لأنّ الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم ، فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة قوم ، ويكون قوله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) تقريراً لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سننهم؟ قلت : هو جائز ، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام. وفي قراءة أبىّ : بينكم وبينهم ميثاق جاؤكم حصرت صدورهم ، بغير أو. ووجهه أن يكون (جاؤُكُمْ) بياناً ليصلون ، أو بدلا أو استئنافا ، أو صفة بعد صفة لقوم. حصرت صدورهم في موضع الحال بإضمار قد. والدليل عليه قراءة من قرأ : حصرة صدورهم. وحصرات صدورهم. وحاصرات صدورهم. وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف على : أو جاؤكم قوماً حصرت صدورهم. وقيل : هو بيان لجاؤكم ، وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقاتلين. والحصر الضيق والانقباض (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) عن أن يقاتلوكم. أو كراهة أن يقاتلوكم. فإن قلت : كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت : ما كانت مكافتهم إلا
__________________
(١) قوله «شرعا» أى طريقاً. وفي الصحاح : أنه يحرك ويسكن. (ع)