من الإعراب؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في (يَخْشَوْنَ) أى يخشون الناس مثل أهل خشية الله ، أى مشبهين لأهل خشية الله (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) بمعنى أو أشد خشية من أهل خشية الله ، وأشد معطوف على الحال. فإن قلت : لم عدلت عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدر يخشون خشية مثل خشية الله ، بمعنى مثل ما يخشى الله؟ قلت : أبى ذلك قوله : (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) لأنه وما عطف عليه في حكم واحد ، ولو قلت يخشون الناس أشد خشية؟ لم يكن إلا حالا عن ضمير الفريق ولم ينتصب انتصاب المصدر ، لأنك لا تقول خشي فلان أشد خشية ، فتنصب خشية وأنت تريد المصدر ، إنما تقول أشد خشية فتجرّها ، وإذا نصبتها لم يكن أشد خشية إلا عبارة عن الفاعل حالا منه ، اللهم إلا أن تجعل الخشية خاشية وذات خشية ، على قولهم جد جده فتزعم أن معناه يخشون الناس خشية مثل خشية الله ، أو خشية أشد خشية من خشية الله ، ويجوز على هذا أن يكون محل (أَشَدَّ) مجروراً عطفاً على : (كَخَشْيَةِ اللهِ) تريد كخشية الله أو كخشية أشد خشية منها (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) استزادة في مدة الكف ، واستمهال إلى وقت آخر ، كقوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ). (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه ، وقرئ : ولا يظلمون ، بالياء.
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)
__________________
ـ الذي ذكر سيبويه جواز قول القائل ـ زيد أشجع الناس رجلا ـ ثم قال سيبويه فرجل واقع على المبتدأ ولك أن تجره فتقول ـ زيد أشجع رجل ـ وهو الأصل انتهي المقصود من كلام سيبويه. وإذا بنيت عليه جاز أن تقول خشي فلان أشد خشية ، فتنصب الخشية وأنت تريد المصدر ، كأنك قلت خشي فلان خشية أشد خشية ، فتوقع خشية الثانية على الأولى ، وإن نصبتها فهو كما قلت : زيد أشجع رجلا ، فأوقعت رجلا على زيد وإن كنت نصبته فهو على الأصل أن تقول أشد خشية فتجرها ، كما كان الأصل أن تقول زيد أشجع رجل فتجره ، وما منع الزمخشري من النصب مع وقوعه على المصدر إلا أن مقتضى النصب في مثله خروج المنصوب عن الأول ، بخلاف المجرور ، ألا تراك تقول زيد أكرم أبا ، فيكون زيد من الأبناء وأنت تفضل أباه ، وتقول زيد أكرم أب ، فيكون من الآباء وأنت تفضله ، فلو ذهبت توقع أشد على الخشية الأولى وقد نصبت مميزها ، لزم خروج الثاني عن الأول وهو محال ، إذ لا تكون الخشية خشية فتحتاج إلى التأويل المذكور ، وهو جعل الخشية الأولى خاشية حتى تخرجها عن المصدر المميز لها ، وقد بينا في كلام سيبويه جواز النصب مع وقوع الثاني على الأول ، كما لو جررت ، فمثله يجوز في الآية من غير تأويل والله أعلم. وقد مضت وجوه من الاعراب في آية البقرة يتعذر بعضها هنا لمنافرة المعنى والله الموفق. ومثل هذه الأنواع من الاعراب منزل من العربية منزلة اللب الخالص ، فلا يوصل إليها إلا بعد تجاوز جملة القشور ، وربك الفتاح العليم.