عنه وصدقوا في أقولهم وأفعالهم. وهذا ترغيب للمؤمنين في الطاعة ، حيث وعدوا مرافقة أقرب عباد الله إلى الله وأرفعهم درجات عنده (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) فيه معنى التعجب كأنه قيل : وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب. قرئ : وحسن ، بسكون السين. يقول المتعجب : حسن الوجه وجهك! وحسن الوجه وجهك! بالفتح والضم مع التسكين. والرفيق : كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه ، ويجوز أن يكون مفرداً ، بين به الجنس في باب التمييز. وروى أنّ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه ، فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاله ، فقال : يا رسول الله ، ما بى من وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، فذكرت الآخرة ، فخفت أن لا أراك هناك ، لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك ، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا ، فنزلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين (١).» وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة (ذلِكَ) مبتدأ و (الْفَضْلُ) صفته و (مِنَ اللهِ) الخبر ، ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ ، والفضل من الله خبره ، والمعنى : أنّ ما أعطى المطيعون من الأجر (٢) العظيم
__________________
(١) ذكره الثعلبي بغير سند ، ونقله الواحدي في الأسباب عن الكلبي لكن لم يقل في آخره «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إلى آخره» حكى ذلك عن جماعة من الصحابة قال سعيد بن جبير : حدثنا خلف بن خليفة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال «جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أنت أحب إلى من نفسي وولدى وأهلى ومالى ، ولو لا أنى أتيتك فأراك لكنت ، أى سأموت وبكى الأنصارى. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك؟ فقال : ذكرت أنك ستموت مع النبيين عليهم الصلاة والسلام ونحن إن دخلنا الجنة كنا دونك فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) ـ الآية فقال له : أبشر» ومن طريقه أخرجه البيهقي في الشعب ووصله الطبراني وعنه ابن مردويه ، ومن طريق خالد بن عبد الرحمن عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن عباس نحوه ، ورواه الطبري من طريق يعقوب القمي عن جعفر بن أبى المغيرة عن سعيد بن جبير نحوه مرسلا ، ورواه الطبراني في الصغير والواحدي موصولا من طريق عبد الله بن عمران العابدي عن فضيل بن عياض عن منصور بن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها قالت «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، والله إنك لأحب إلى من نفسي ـ الحديث بنحوه ، وأخرجه الواحدي من طريق أخرى عن مسروق قال قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ـ فذكره مختصراً ومن طريق روح عن قتادة كذلك مرسلا.
(٢) قال محمود : «والمعنى أن ما أعطى المطيعون من الأجر ... الخ» قال أحمد : عقيدة أهل السنة : أن المطيع لا يستحق على الله بطاعته شيئا ، وأنه مهما أثيب به من دخول الجنة والنجاة من النار ، فذاك فضل من الله لا عن استحقاق ثابت ، فهم يقرون هذه الآية في رجائها ، وأما القدرية : فيزعمون أن المطيع يستوجب على الله ثواب الطاعة ، وأن المقابل لطاعته من الثواب أجر مستحق كالأجرة على العمل في الشاهد ، ليس بفضل ، وإنما الفضل ما يزاده العبد على حقه من أنواع الثواب وصنوف الكرامة ، فلما وردت هذه الآية ناطقة بأن جملة ما يناله ـ