لتأكيد معنى القسم ، كما زيدت في : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) لتأكيد وجود العلم. و (لا يُؤْمِنُونَ) جواب القسم فإن قلت : هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر (فَلا) في : (لا يُؤْمِنُونَ)؟ قلت : يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه ، وذلك قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)(فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما اختلف بينهم واختلط ، ومنه الشجر لتداخل أغصانه (حَرَجاً) ضيقاً ، أى لا تضيق صدورهم من حكمك ، وقيل : شكا ، لأنّ الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين (وَيُسَلِّمُوا) وينقادوا ويذعنوا لما تأتى به من قضائك ، لا يعارضوه بشيء ، من قولك : سلم الأمر لله وأسلم له ، وحقيقة سلم نفسه وأسلمها ، إذا جعلها سالمة له خالصة ، و (تَسْلِيماً) تأكيد للفعل بمنزلة تكريره. كأنه قيل : وينقادوا لحكمه انقياداً لا شبهة فيه ، بظاهرهم وباطنهم. قيل : نزلت في شأن المنافق واليهودي. وقيل : في شأن الزبير وحاطب بن أبى بلتعة ؛ وذلك أنهما اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرّة ، كانا يسقيان بها النخل ، فقال «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» (١) فغضب حاطب وقال : لأن كان ابن عمتك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ، ثم أرسله إلى جارك» كان قد أشار على الزبير برأى فيه السعة له ولخصمه ؛ فلما أحفظ (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استوعب للزبير حقه في صريح الحكم ، ثم خرجا فمرا على المقداد ، فقال : لمن كان القضاء؟ فقال الأنصارى : قضى لابن عمته ، ولوى شدقه. ففطن يهودى كان مع المقداد فقال : قاتل الله هؤلاء ، يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضى بينهم ، وايم الله ، لقد أذنبنا ذنبا مرّة في حياة موسى ، فدعانا إلى التوبة منه وقال : اقتلوا أنفسكم ، ففعلنا ، فبلغ قتلانا
__________________
(١) قال ابن أبى حاتم : حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب ـ قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) ـ الآية قال : نزلت في الزبير بن العوام ، وحاطب بن أبى بلتعة : اختصما في ماء فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقى الأعلى ثم الأسفل» وأصله في الصحيحين أتم من هذا من غير تسمية حاطب. أخرجاه من طريق الزهري عن عروة قال «اختصم الزبير ورجل من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصارى : يا رسول الله ، إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعب الزبير حقه في صريح الحكم. قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية وروى أنهما لما خرجا مرا على المقداد : فقال قاتل الله هؤلاء ، يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتهمونه على قضاء يقضى بينهم ، وايم الله لقد أذنبنا مرة في حياة موسى عليه السلام فدعانا إلى التوبة منه وقال : اقتلوا أنفسكم ، ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس : أما والله إن الله يعلم منى الصدق ، لو أمرنى أن أقتل نفسي لقتلتها» ذكره الثعلبي في تفسيره بغير سند عن الصالحي ، وإسناده إليه أول الكتاب.
(٢) قوله «فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم» أى أغضب ، أفاده الصحاح. (ع)