الله عليه ، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان ـ وكانت له بضاعة يقلبها ـ : لولاها لتمندل بى بنو العباس (١). وعن غيره ـ وقيل له إنها تدنيك من الدنيا ـ : لئن أدنتنى من الدنيا لقد صانتنى عنها. وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا ، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة فقالوا له : اذهب إلى دكانك (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا ، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق. وقيل : هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء ، قريب أو أجنبى ، رجل أو امرأة ، يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده (قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال ابن جريج : عدّة جميلة ، إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وعن عطاء : إذا ربحت أعطيتك ، وإن غنمت في غزاتى جعلت لك حظا. وقيل : إن لم يكن ممن وجبت عليك نفقته فقل : عافانا الله وإياك ، بارك الله فيك. وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته لحسنه عقلا أو شرعا من قول أو عمل ، فهو معروف. وما أنكرته ونفرت منه لقبحه ، فهو منكر.
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(٦)
(وَابْتَلُوا الْيَتامى) واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم (٢) ومعرفتهم بالتصرف ، قبل البلوغ
__________________
(١) قوله «لتمندل بى بنو العباس» في الصحاح : المنديل معروف ، تقول منه : تسندلت بالمنديل ، وتمندلت. (ع)
(٢) قال محمود : «معناه اختبروا أحوالهم ... الخ» قال أحمد : الابتلاء على هذا الوجه مذهب مالك رضى الله عنه ، غير أنه لا يكون عنده إلا بعد البلوغ ولا يدفع إليه من ماله شيء قبله ، وكذلك أحد قولي الشافعي رضى الله عنه ، وقوله الآخر كمذهب أبى حنيفة ، غير أن عنه خلافا في صورته قبل البلوغ على وجهين : أحدهما أن يسلم إليه المال ويباشر العقود بنفسه كالبالغ ، والآخر أن يكون وظيفته أن يساوم ، وتقرير الثمن إذا بلغ الأمر إلى العقد باشره الولي دونه وسلم الصبى الثمن ، فأما الرشد فالمعتبر عند مالك رضى الله عنه فيه : هو أن يحرز ماله وينميه ، وإن كان فاسقاً في حاله. وعند الشافعي : المعتبر صلاح الدين والمال جميعاً ، وغرضنا الآن أن نبين وجه تنزيل مذهب مالك في هذه الآية والله المستعان. فأما منعه من الإيتاء قبل البلوغ ـ وإن كان ظاهر الآية أن الإيتاء قبله ـ من حيث جعل البلوغ وإيناس الرشد غاية للايتاء ، والغاية متأخرة عن المغيا ضرورة ، فيتعين وقوع الإيتاء قبل. ولهذه النكتة أثبته أبو حنيفة قبل البلوغ والله أعلم ، فعلى جعل المجموع من البلوغ وإيناس الرشد هو الغاية حينئذ يلزم وقوع الابتلاء قبلهما ، أعنى المجموع وإن وقع بعد أحدهما وهو البلوغ ، لأن المجموع من اثنين فصاعدا لا يتحقق إلا بوجود كل واحد من مفرديه. ويحقق هذا التنزيل أنك لو قلت : وابتلوا اليتامى بعد البلوغ ، حتى إذا اجتمع الأمران وتضاما ـ