بأن النبوّة والغلول متنافيان؟ لئلا يظن به ظانّ شيئا منه وألا يستريب به أحد ، كما روى أنّ قطيفة حمراء فقدت يوم بدر. فقال بعض المنافقين : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها (١). وروى أنها نزلت في غنائم أحد (٢) حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى ، فقالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم : والثاني أن يكون مبالغة في النهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى : أنه بعث طلائع (٣) فغنمت غنائم فقسمها ولم يقسم للطلائع ، فنزلت. يعنى : وما كان لنبىّ أن يعطى قوما ويمنع آخرين ، بل عليه أن يقسم بالسوية. وسمى حرمان بعض الغزاة «غلولا» تغليظا وتقبيحا لصورة الأمر ، ولو قرئ (أَنْ يَغُلَّ) من أغل بمعنى غل ، لجاز (يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يأت بالشيء الذي غله بعينه يحمله كما جاء في الحديث (٤) «جاء يوم القيامة يحمله على عنقه (٥)» وروى : «ألا لا أعرفنّ أحدكم يأتى (٦) ببعير له رغاء وببقرة لها خوار وبشاة لها ثغاء ، فينادى يا محمد ، يا محمد ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا فقد بلغتك (٧)» وعن بعض جفاة العرب أنه سرق نافجة مسك ، فتليت عليه الآية
__________________
ـ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ، (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) إلى غير ذلك. على أن الزمخشري حاف في العبارة إذ يقول : عبر عن الحرمان بالغلول تغليظاً وتقبيحاً ، وما كان له أن يعبر عن هذا المعنى بهذه العبارة ، فان عادة لطف الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم في التأديب أن يكون ممزوجا بغاية التخفيف والتعطف. ألا ترى إلى قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قال بعض العلماء : بدأه بالعفو قبل العتب. ولو لم يبدأه بالعفو لانفطر قلبه صلى الله عليه وسلم.
(١) أخرجه الترمذي من حديث خصيف عن مقسم عن ابن عباس بلفظ فقال بعض الناس ، وقال حسن. قال وروى عن مقسم ولم يذكر ابن عباس ورواه الطبراني وأبو يعلى وابن عدى والطبري والواحدي كلهم من هذا الوجه.
وأعله ابن عدى بخصيف.
(٢) ذكره الثعلبي والواحدي في أسبابه عن الكلبي ومقاتل قال «نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز الخ»
(٣) أخرجه ابن أبى شيبة. حدثنا وكيع حدثنا سلمة بن نبيط. عن الضحاك ، فذكره به وأتم منه. وأخرجه الطبري والواحدي في أسبابه.
(٤) تقدم قبل ستة أحاديث
(٥) قوله : «جاء يوم القيامة يحمله على عنقه» : لعل صدره : من غل شيئاً. (ع)
(٦) قوله : «وروى : ألا لا أعرفن أحدكم يأتى» قوله : «لا أعرفن» بلفظ المنفي المؤكد بالنون ، ومعناه النهى. أى لا يغل أحدكم فأعرفه. اه قسطلانى. (ع)
(٧) رواه على بن المديني في العلل وأبو يعلى والطبري من رواية حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بهذا في حديث طويل ، وأصله في الصحيحين عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة بلفظ «ألا لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ... الحديث»