النطق بذلك القول واعتقاده ، ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم. فإن قلت : ما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى؟ قلت : معناه أنّ الله عز وجل عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم ، ويضيق صدورهم عقوبة ، فاعتقاده فعلهم وما يكون عنده من الغم والحسرة وضيق الصدور فعل الله عز وجل كقوله : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه النهى ، أى لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ، لأنّ مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادّتهم مما يغمهم ويغيظهم (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) ردٌّ لقولهم. أى الأمر بيده ، قد يحيى المسافر والغازي ، ويميت المقيم والقاعد كما يشاء. وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه أنه قال عند موته : ما فىّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة ، وها أنا ذا أموت كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا تكونوا مثلهم. وقرئ بالياء ، يعنى الذين كفروا (لَمَغْفِرَةٌ) جواب القسم ، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط ، وكذلك (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) كذب الكافرين أولا في زعمهم أن من سافر من إخوانهم أو غزى لو كان في المدينة لما مات ، ونهى المسلمين عن ذلك لأنه سبب التقاعد عن الجهاد ، ثم قال لهم : ولئن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت والقتل في سبيل الله ، فإنّ ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما : خير من طلاع الأرض ذهبة (١) حمراء. وقرئ بالياء ، أى يجمع الكفار (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) لإلى الله الرحيم الواسع الرحمة ، المثيب العظيم الثواب تحشرون ولوقوع اسم الله تعالى هذا الموقع مع تقديمه وإدخال اللام على الحرف المتصل به ، شأن ليس بالخفي. قرئ (مُتُّمْ) بضم الميم وكسرها ، من مات يموت ومات يمات.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(١٥٩)
«ما» مزيدة للتوكيد والدلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله ونحوه (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) ومعنى الرحمة : ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم حتى أثابهم غما بغم وآساهم بالمباثة بعد ما خالفوه وعصوا أمره وانهزموا وتركوه (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) جافيا (غَلِيظَ الْقَلْبِ) قاسيه (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لتفرّقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ) فيما
__________________
(١) قوله «خير من طلاع الأرض ذهبة» في الصحاح : طلاع الأرض : ملؤها. والذهبة. القطعة من الذهب. (ع)