والغنيمة والعز وطيب الذكر. وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدّمه ، وأنه هو المعتدّ به عنده (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)(١٥١)
(إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) قال علىّ رضى الله عنه نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم. وعن الحسن رضى الله عنه : إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم ، لأنهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشبه في الدين ، ويقولون : لو كان نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم ، وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوما له ويوما عليه. وعن السدى : إن تستكينوا لأبى سفيان وأصحابه وتستأمنوهم (يَرُدُّوكُمْ) إلى دينهم. وقيل هو عامّ في جميع الكفار ، وإنّ على المؤمنين أن يجانبوهم ولا يطيعوهم في شيء ولا ينزلوا على حكمهم ولا على مشورتهم حتى لا يستجرّوهم إلى موافقتهم (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) أى ناصركم ، لا تحتاجون معه إلى نصرة أحد وولايته. وقرئ بالنصب على : بل أطيعوا الله مولاكم (سَنُلْقِي) قرئ بالنون والياء. و (الرُّعْبَ) ـ بسكون العين وضمها ـ. قيل : قذف الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة. وقيل : ذهبوا إلى مكة فلما كانوا ببعض الطريق قالوا : ما صنعنا شيئا ، قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن فاهرون (١) ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم فأمسكوا. (بِما أَشْرَكُوا) بسبب إشراكهم ، أى كان السبب في إلقاء الله الرّعب في قلوبهم إشراكهم به (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) آلهة لم ينزل الله بإشراكها حجة. فإن قلت : كان هناك حجة (٢) حتى ينزلها (٣) الله
__________________
(١) قوله «فاهرون» لعله فارهون. والفاره : الحاذق بالشيء. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قوله «فان قلت كان هناك حجة» لعله : أكان. (ع)
(٣) قال محمود : «إن قلت كان هناك حجة حتى ينزلها الله فيصح لهم الاشراك ... الخ»؟ قال أحمد : إنما يرد هذا السؤال لو أفهم ظاهر اللفظ أن ثم حجة وليس في ظاهره ما يفهم ذلك ، ولو كانت الآية كقول القائل : بما أشركوا بالله ما لم ينزل سلطانه ، باضافة السلطان إلى ما أشركوا به ، لكان للسائل مقول ، ولكان كقول القائل : على لا حب لا يهتدى بمناره فانه باضافة المنار إليه يوهم أن فيه مناراً ، فيحتاج الناظر إلى حمله على معنى لا منار فيه فيهتدى به ، ولو أطلق الشاعر فقال : «على لا حب لا يهتدى فيه بمنار» مثلا ، لاستغنى عن تأويل الكلام ، وكذلك الآية غنية عن التأويل ، والله أعلم.