مستعار لمعنى الإصابة فكان المعنى واحداً. ألا ترى إلى قوله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) ، (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً). (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على عداوتهم (وَتَتَّقُوا) ما نهيتم عنه من موالاتهم. أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتنقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله فلا يضركم كيدهم. وقرئ (لا يَضُرُّكُمْ) من ضاره يضيره. ويضركم على أن ضمة الراء لإتباع ضمة الضاد ، كقولك مدّ يا هذا. وروى المفضل عن عاصم (لا يَضُرُّكُمْ) بفتح الراء ، وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى. وقد قال الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من الصبر والتقوى وغيرهما (مُحِيطٌ) ففاعل بكم ما أنتم أهله. وقرئ بالياء بمعنى أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه.
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٢٢)
(وَ) اذكر (إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) بالمدينة وهو غدوّه إلى أحد من حجرة عائشة رضى الله عنها. روى أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبىّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها ، فاستشاره ، فقال عبد الله وأكثر الأنصار :
يا رسول الله ، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم ، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا ، فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة ، وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم : يا رسول الله ، اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم. فقال صلى الله عليه وسلم : إنى قد رأيت في منامي بقراً مذبحة حولي ، فأوّلتها خيراً ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً فأولته هزيمة ، ورأيت كأنى أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم. فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد : اخرج بنا إلى أعدائنا. فلم يزالوا به حتى دخل فلبس لأمته. فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا : بئسما صنعنا ، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحى يأتيه ، وقالوا : اصنع يا رسول ما رأيت ، فقال : لا ينبغي لنبىّ أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل ، فخرج يوم الجمعة بعد صلاة