وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١٠٧)
(كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) وهم اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِ ما
جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة وهي كلمة الحق. وقيل : هم
مبتدعو هذه الأمة ، وهم المشبهة والمجبرة والحشوية وأشباههم (يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ) نصب بالظرف وهولهم ، أو بإضمار اذكر ، وقرئ : تبيض وتسود ،
بكسر حرف المضارعة. وتبياض وتسوادّ ، والبياض من النور ، والسواد من الظلمة ، فمن
كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وإسفاره وإشراقه ، وابيضت صحيفته وأشرقت ،
وسعى النور بين يديه وبيمينه. ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه
وكمده ، واسودّت صحيفته وأظلمت ، وأحاطت به الظلمة من كل جانب. نعوذ بالله وبسعة
رحمته من ظلمات الباطل وأهله (أَكَفَرْتُمْ) فيقال لهم : أكفرتم ، والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم. والظاهر
أنهم أهل الكتاب. وكفرهم بعد الإيمان تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
اعترافهم به قبل مجيئه. وعن عطاء : تبيض وجوه المهاجرين والأنصار وتسودّ وجوه بنى
قريظة والنضير. وقيل هم المرتدون. وقيل أهل البدع والأهواء ، وعن أبى أمامة : هم
الخوارج ، ولما رآهم على درج دمشق دمعت عيناه ثم قال كلاب النار هؤلاء شر قتلى تحت
أديم السماء. وخير قتلى تحت أديم السماء : الذين قتلهم هؤلاء ، فقال له أبو غالب :
أشىء تقوله برأيك ، أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : بل سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة. قال : فما شأنك دمعت عيناك ، قال : رحمة
لهم ، كانوا من أهل الإسلام فكفروا. ثم قرأ هذه الآية ، ثم أخذ بيده فقال : إن
بأرضك منهم كثيراً. فأعاذك الله منهم . وقيل هم جميع الكفار لإعراضهم عما أوجبه الإقرار حين
أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) ففي نعمته وهي الثواب المخلد ، فإن قلت : كيف موقع قوله (هُمْ فِيها خالِدُونَ) بعد قوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ)؟ قلت : موقع الاستئناف ، كأنه قيل : كيف يكونون فيها؟ فقيل
: هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون.
(تِلْكَ آياتُ اللهِ
نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨)
__________________