(وَجْهَ النَّهارِ) أوّله. قال :
مَنْ كانَ مَسْرُوراً بِمَقْتَلِ مَالِكٍ |
|
فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ (١) |
والمعنى : أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أوّل النهار (وَاكْفُرُوا) به في آخره لعلهم يشكون في دينهم ويقولون : ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعكم. وقيل : تواطأ اثنا عشر من أحبار يهود خيبر وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد أوّل النهار من غير اعتقاد ، واكفروا به آخر النهار وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمداً ليس بذلك المنعوت وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم. وقيل : هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة قال كعب بن الأشرف لأصحابه : آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها في أوّل النهار ، ثم اكفروا به في آخره وصلوا إلى الصخرة ، ولعلهم يقولون : هم أعلم منا وقد رجعوا فيرجعون (وَلا تُؤْمِنُوا) متعلق بقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) وما بينهما اعتراض. أى : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم. أرادوا : أسرّوا تصديقكم بأنّ المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) عطف على أن يؤتى (٢). والضمير في يحاجوكم لأحد لأنه في معنى الجمع (٣) ، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم ، أنّ المسلمين يحاجونكم
__________________
(١) من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار |
يجد النساء حواسراً يندبنه |
|
يلطمن أوجههن بالأسحار |
لربيع بن زياد. يرثى مالك بن زهير العيسى ، ووجه النهار : أوله. والحواسر : كاشفات الوجوه ، وصرف للوزن. والندبة : رفع الصوت بالبكاء على الميت. والأسحار : مقدم أعالى الأعناق. والباء بمعنى مع. كانت عادة العرب أن لا يندبوا القتيل إلا بعد أخذ ثأره فضمن الرثاء معنى المدح لهم والتشفي من عدوهم. وقال : من كان شامتا بقتله فليجئ إلى نسائنا في أول النهار يجدهن كاشفات وجوههن يبكين عليه برفع أصواتهن ، يضربن أوجههن مع صفاح أعناقهن ، يعنى أننا أخذنا ثأره فحل لنسائنا البكاء عليه ، وانتقد ابن العميد قوله : فليأت نسوتنا. ولله در الامام المرزوقي حيث أبدله بقوله : فليأت ساحتنا ، لأنه فيه أيضا الفرار من الاظهار موضع الإضمار.
(٢) قال محمود : «أو يحاجوكم معطوف على أن يؤتى ... الخ» قال أحمد : وفي هذا الوجه من الاعراب إشكال ، وهو وقوع أحد في الواجب ، لأن الاستفهام هنا إنكار ، واستفهام الإنكار في مثله إثبات ، إذ حاصله أنه أنكر عليهم ووبخهم على ما وقع منهم وهو إخفاء الايمان بأن النبوة لا تخص بنى إسرائيل لأجل العلتين المذكورتين ، فهو إثبات محقق. ويمكن أن يقال : روعيت صيغة الاستفهام وإن لم يكن المراد حقيقة ، فحسن لذلك دخول أحد في سياقه ، والله أعلم.
(٣) قال محمود : «والضمير في يحاجوكم لأحد لأنه في معنى الجمع ... الخ» قال أحمد : أى حيث كان نكرة في سياق النفي ، كما وصفه بالجمع في قوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ).