ثم قام سالما. (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) قدّره جسداً من طين (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) أى أنشأه بشراً كقوله (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ). (فَيَكُونُ) حكاية حال ماضية.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٦٠)
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) خبر مبتدإ محذوف ، أى هو الحق كقول أهل خيبر : محمد والخميس (١).
ونهيه عن الامتراء ـ وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ممتريا ـ من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة ، وأن يكون لطفا لغيره.
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(٦١)
(فَمَنْ حَاجَّكَ) من النصارى (فِيهِ) في عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أى من البينات الموجبة للعلم (تَعالَوْا) هلموا. والمراد المجيء بالرأى والعزم ، كما نقول تعال نفكر في هذه المسألة (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) أى يدع كل منى ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم. والبهلة بالفتح ، والضم : اللعنة. وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته من قولك «أبهله» إذا أهمله. وناقة باهل : لاصرار عليها (٢) وأصل الابتهال هذا ، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا. وروى «أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ، ما ترى؟ فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبىٌّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلىٌّ خلفها وهو يقول : «إذا أنا دعوت فأمّنوا» فقال أسقف نجران (٣) : يا معشر النصارى ، إنى لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا
__________________
(١) هو طرف من حديث لأنس متفق عليه ، بلفظ «صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر وقد خرجوا بالمساحي على أعناقهم فلما رأوه قالوا : هذا محمد والخميس ... الحديث» وسيأتى في سورة الصافات.
(٢) قوله «وناقة باهل لاصرار عليها» في الصحاح صررت الناقة شددت عليها الصرار ، وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية ، لئلا يرضعها ولدها. وفيه الخلف : حلمة ضرع الناقة. وفيه التودية : خشبة تشد عليه. (ع)
(٣) قوله «فقال أسقف نجران يا معشر النصارى» أى حبرهم عبد المسيح اه. (ع)