المتميزة ، ثم ذكره ثانيا بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل ، للدلالة على اختصاصه بالأمرين ، كأنه قال : لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين ، ولذلك قرن به قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أهل الكتاب من اليهود والنصارى. واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل (١) (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أنه الحق الذي لا محيد عنه ، فثلثت النصارى ، وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش لأنهم أمّيون ونحن أهل كتاب ، وهذا تجويز لله (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أى ما كان ذلك الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسداً بينهم وطلبا منهم للرئاسة وحظوظ الدنيا ، واستتباع كل فريق ناسا يطؤن أعقابهم ، لا شبهة في الإسلام. وقيل : هو اختلافهم في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث آمن به بعض وكفر به بعض. وقيل : هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء ، فمنهم من آمن بموسى ، ومنهم من آمن بعيسى. وقيل هم اليهود ، واختلافهم أن موسى عليه السلام حين احتضر استودع التوراة سبعين حبراً من بنى إسرائيل ، وجعلهم أمناء عليها ، واستخلف يوشع ، فلما مضى قرن بعد قرن واختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم علم التوراة بغيا بينهم وتحاسداً على حظوظ الدنيا والرياسة. وقيل : هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٢٠)
(فَإِنْ حَاجُّوكَ) فإن جادلوك في الدين (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أى أخلصت نفسي وجملتي
__________________
ـ قوله تعالى : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) هذا إيمان القوم وتوحيدهم ، لا كقوم يغيرون في وجه النصوص فيجحدون الرؤية التي يظهر أن جحدهم لها سبب في حرمانهم إياها. ويجعلون أنفسهم الخسيسة شريكة لله في مخلوقاته ، فيزعمون أنهم يخلقون لأنفسهم ما شاءوا من الأفعال على خلاف مشيئة ربهم محادة ومعاندة لله في ملكه ، ثم بعد ذلك يتسترون بتسمية أنفسهم أهل العدل والتوحيد ، والله أعلم بمن اتقى. ولجبر خير من إشراك ، إن كان أهل السنة مجبرة فأنا أول المجبرين. ولو نظرت أيها الزمخشري بعين الانصاف إلى جهالة القدرية وضلالها ، لانبعثت إلى حدائق السنة وظلالها ، ولخرجت عن مزالق البدع ومزالها ، ولكن كره الله انبعاثهم ، ولعلمت أى الفريقين أحق بالأمن وأولى بالدخول في أولى العلم المقرونين في التوحيد بالملائكة المشرفين بعطفهم على اسم الله عز وجل. اللهم ألهمنا على اقتفاء السنة شكرك. ولا تؤمنا مكرك إنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فليس ينجى من الخوف إلا الخوف. والله ولى التوفيق.
(١) قوله «تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل» مبنى على ما قاله آنفا. (ع)