بالصاعقة. وعن عمر رضى الله عنه أنه سأل عنها الصحابة فقالوا : الله أعلم ، فغضب وقال : قولوا نعلم أو لا نعلم ، فقال ابن عباس رضى الله عنه : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين (١). قال : قل يا ابن أخى ولا تحقر نفسك. قال : ضربت مثلا لعمل. قال : لأى عمل؟ قال : لرجل غنى يعمل الحسنات ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها (٢). وعن الحسن رضى الله عنه : هذا مثلٌ قلّ والله من يعقله من الناس : شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته ، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا. فإن قلت : كيف قال (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ثم قال : (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (٣) قلت : النخيل والأعناب لما كانا أكرم الشجر وأكثرها منافع ، خصهما بالذكر ، وجعل الجنة منهما ـ وإن كانت محتوية على سائر الأشجار ـ تغليباً لهما على غيرهما ، ثم أردفهما ذكر كل الثمرات. ويجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها كقوله : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) بعد قوله : (جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ). فإن قلت : علام عطف قوله (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ)؟ قلت : الواو للحال لا للعطف. ومعناه أن تكون له جنة وقد أصابه الكبر. وقيل يقال : وددت أن يكون كذا ووددت لو كان كذا ، فحمل العطف على المعنى ، كأنه قيل : أيودّ أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٢٦٧)
(مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) من جياد مكسوباتكم (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ) من الحب والثمر والمعادن وغيرها. فإن قلت : فهلا قيل : وما أخرجنا لكم ، عطفا على : (ما كَسَبْتُمْ) حتى يشتمل الطيب على المكسوب والمخرج من الأرض؟ قلت : معناه : ومن طيبات ما أخرجنا لكم إلا أنه حذف لذكر الطيبات (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ولا تقصدوا المال الرديء (مِنْهُ تُنْفِقُونَ) تخصونه بالإنفاق ، وهو في محل الحال. وقرأ عبد الله : ولا تأمموا. وقرأ ابن عباس : ولا تيمموا ، بضم التاء. ويممه
__________________
(١) أخرجه البخاري من حديث عبيد بن عمير : أن عمر سأل ... فذكره.
(٢) قوله «أغرق أعماله كلها» في بعض نسخ الجلال : أحرق ، بالحاء ، وكذلك عبارة النسفي. (ع)
(٣) قال محمود رحمه الله : «إن قلت : لم ذكر النخيل والأعناب أولا ... الخ»؟ قال أحمد رحمه الله : وهذا من باب تثنية ذكر ما يقع الاهتمام به مرتين عموما وخصوصا ومثله (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) إلا أنه في تلك الآية بدأ بالتعميم وفي هذه الآية بدأ بالتخصيص والمقصود هو ما نبهنا عليه ، والله أعلم.