كتاب الله قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ). (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وأتم أمر إهلاكهم وتدميرهم وفرغ منه. وقرأ معاذ بن جبل رضى الله عنه : وقضاء الأمر ، على المصدر المرفوع عطفا على الملائكة. وقرئ : ترجِع ، وترجَع ، على البناء للفاعل والمفعول بالتأنيث والتذكير فيهما.
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢١١)
(سَلْ) أمر للرسول عليه الصلاة والسلام أو لكل أحد. وهذا السؤال سؤال تقريع كما تسئل الكفرة يوم القيامة (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) على أيدى أنبيائهم وهي معجزاتهم ، أو من آية في الكتب شاهدة على صحة دين الإسلام ، و (نِعْمَةَ اللهِ) آياته ، وهي أجل نعمة من الله ، لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة. وتبديلهم إياها : أن الله أظهرها لتكون أسباب هداهم ، فجعلوها أسباب ضلالتهم. كقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) أو حرفوا آيات الكتب (١) الدالة على دين محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قلت : كم استفهامية أم خبرية؟ قلت : تحتمل الأمرين.
ومعنى الاستفهام فيها للتقرير. فإن قلت : ما معنى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ). قلت : معناه من بعد ما تمكن من معرفتها أو عرفها ، كقوله : ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه؟ لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها ، فكأنها غائبة عنه : وقرئ : (وَمَنْ يُبَدِّلْ) بالتخفيف.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢١٢)
المزين هو الشيطان (٢) زين لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه وحببها إليهم فلا يريدون غيرها.
ويجوز أن يكون الله قد زينها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها وأحبوها ، أو جعل إمهال المزين له تزيينا ، ويدل عليه قراءة من قرأ (زين الذين كفروا الحياة الدنيا) على البناء للفاعل (وَيَسْخَرُونَ
__________________
(١) قوله «أو حرفوا آيات الكتب» لعله عطف على المعنى ، أى أنهم جعلوا المعجزات أسباب ضلالهم ، وقد جعلها الله أسباب هداهم. أو حرفوا آيات الكتب ... الخ». (ع)
(٢) قال محمود رحمه الله «المزين هو الشيطان ... الخ» قال أحمد رحمه الله : وردت إضافة التزيين إلى الله تعالى وإضافته إلى غيره في مواضع من الكتاب العزيز وهذه الآية تحتمل الوجهين ، لكن الاضافة إلى قدرة الله تعالى حقيقة ، والاضافة إلى غيره مجاز. على قواعد السنة. والزمخشري يعمل على عكس هذا ، فان أضاف لله فعلا من أفعاله إلى قدرته جعله مجازا وإن أضافه إلى بعض مخلوقاته جعله حقيقة. وسبب هذا هو التعكيس باتباع الهوى في القواعد الفاسدة.