صغيرة ، فلم جرى عليه ما جرى بسببها من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء ، كما فعل بإبليس ونسبته إلى الغىّ والعصيان ونسيان العهد وعدم العزيمة والحاجة إلى التوبة؟ قلت : ما كانت إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات. وإنما جرى عليه ما جرى ، تعظيما للخطيئة وتفظيعاً لشأنها وتهويلا ، ليكون ذلك لطفاً له ولذرّيته في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم ، والتنبيه على أنه أخرج من الجنة بخطيئة واحدة ، فكيف يدخلها ذو خطايا جمة. وقرئ : فمن تبع هُدَىَّ ، على لغة هذيل ، فلا خوف ـ بالفتح.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)(٤١)
(إِسْرائِيلَ) هو يعقوب عليه السلام لقب له ، ومعناه في لسانهم : صفوة الله ، وقيل عبد الله. وهو بزنة إبراهيم وإسماعيل غير منصرف مثلهما لوجود العلمية والعجمة. وقرئ إسرائل ، وإسرائلّ. وذِكرهم النعمة : أن لا يخلوا بشكرها ، ويعتدّوا بها ، ويستعظموها ، ويطيعوا ماتحها. وأراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدّد عليهم : من الإنجاء من فرعون وعذابه ومن الغرق. ومن العفو عن اتخاذ العجل ، والتوبة عليهم ، وغير ذلك ، وما أنعم به عليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وآله وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل. والعهد يضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعا. يقال أوفيت بعهدي ، أى بما عاهدت عليه كقوله : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) وأوفيت بعهدك : أى بما عاهدتك عليه. ومعنى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان بى والطاعة لي ، كقوله : (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) ، (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)
__________________
ـ فلا جرم التزم الزمخشري ورود السؤال ؛ لأن آدم عليه السلام معصوم من الكبائر باتفاق فيلزم على قاعدة القدرية أن تكون صغيرة واجبة التكفير والمحو ، غير مؤاخذ عليها ولا مستوجب بسببها عقوبة ولا شيئاً مما وقع. وهذا لا جواب للزمخشري عنه إلا الانصاف والرجوع عن المعتقدات الباطلة والمذاهب الماحلة ولقد شنع السؤال بقوله إن الذي جرى على آدم عليه السلام كالذي جرى على إبليس عليه اللعنة. ومعاذ الله أن يكون الحالان سواء والعاقبتان كما تعلم : أن آدم عليه السلام خالد في النعيم المقيم ؛ وأن إبليس خالد في العذاب الأليم.