لأنه كما بينت أن الاختلاف في القراءات سببه النقل والرواية والتلقي والمشافهة ، لا احتمال الرسم لها فقط ، كما أنه لا مجال للرأي والاختيار فيها. وأن هذه القراءات نشأت قبل كتابة القرآن الكريم وجمعه ، وقبل عمل عثمان ـ رضي الله عنه ـ لمصحفه ، وهو ما ينسبون الاختلاف لرسمه فالاختلاف إذن لم ينشأ عن إغفال المصاحف من نقط الحروف وشكلها ، ولا من هيئتها ورسمها ، ولكنه يعود لما تلقاه رسولنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من أمين الوحي جبريل ـ عليهالسلام ـ فعلمه بدوره لصحابته ـ رضوان الله عليهم ـ.
المبحث الثالث :
نولديكه ورسم المصحف :
أ ـ اعتبر «نولديكه» أن اختلاف المصاحف في رسم بعض الكلمات يعتبر نوعا من الخطأ. وذلك كرسم التاء في بعض المصاحف مفتوحة ورسمها في آخر مربوطة وكإثبات الألف في بعضها وحذفها في آخر. وزيادة الواو في كلمة في مصحف وحذفها من مصحف آخر. وإثبات التنوين كسرتين في مصحف ، وكتابتها نونا في آخر .. وهكذا (١).
الجواب :
إن مرجع الشبهة عند «نولديكه» عدم إدراكه لقواعد الرسم العثماني ولا لأسرارها فاختلاف حال الكلمة في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها. وأن فيها فوائد بلاغية ، ولغوية ونحوية. وقد ألف الإمام أبو العباس أحمد الأزدي الشهير بابن البناء المراكشي كتابه أسرار الرسم العثماني والذي سماه القسطلاني (الدليل من مرسوم التنزيل) (٢) والأصل في المكتوب أن يكون موافقا للمنطوق من غير زيادة ولا نقص ولا تغيير ولا تبديل مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه ،
__________________
(١) تاريخ القرآن ـ الجزء الثالث ـ الفصل الأول.
(٢) انظر رسم المصحف غانم قدودي ص ٢٢٣.