نحن لا نشك ولا ننفي أن القرآن نزل على سبعة أحرف توسعة على العرب الذين ما كانت ألسنتهم تلين بغير حرفها. وقد جمع عثمان ـ رضي الله عنه ـ الناس على حرف واحد ألا وهو حرف قريش فلا يجوز أن يعد اليوم قرآنا سواه.
والأحرف السبعة لم تكن تتبع هوى الصحابة بحيث يقرءون كيف ما يشاءون كما صور ذلك «بلاشير» بل كانت في حدود المسموع المتلقى عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهذا هو ما أجمع عليه العلماء المحققون (١). لذا كانت إجابته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لكل من عمر بن الخطاب ، وهشام بن حكيم عقب سماعه منهما سورة الفرقان على إثر خلاف نشب بينهما لاختلافهما في الحرف «هكذا أنزل» (٢).
أما قصة عبد الله بن أبي السرح الذي ارتد ثم رجع للإسلام وتغييره فواصل الآيات مثل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ب (سَمِيعٌ بَصِيرٌ) فقد توسعت في الحديث عنه في موضع آخر من الرسالة (٣) وذكرت أن تغيير الفواصل لا يجوز بإجماع المسلمين ، لأنه يذهب إعجاز القرآن.
قال الأستاذ أبو شهبة ـ رحمهالله تعالى ـ : «وإن لنا لوقفة عند هذا الرأي الأخير ، المجوز لتبديل فواصل الآي بعضها ببعض مما هو من صفات الرب ، فإن هذا خلاف الإجماع ، ويؤدي إلى ذهاب الإعجاز ، فإن من إعجاز القرآن هذا التناسب والترابط القوي بين الآية وخاتمتها ، فلو جاز إبدال خاتمة بأخرى لعاد بالخلل على إعجاز القرآن».
قال القاضي عياض : نقلا عن المازري : «وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان «غفور رحيم» «سميع بصير» فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس»(٤).
__________________
(١) نفس المرجع ص ٢٠٧.
(٢) نفس المرجع ٢١٠ وانظر الحديث في مسند الإمام أحمد ١ / ٤٠.
(٣) انظر ص ٣٢٠ من الرسالة.
(٤) المدخل لدراسة القرآن الكريم ص ٢٠١.