قال أبو عمر بن عبد البر : [أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة ، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يجدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج فينكرونها ولا يحملونها على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أقر نافون للمعبود لا مثبتون ..](١).
٢ ـ كلنا نؤمن يقينا أن الله خلق هذا الكون وما فيه من نواميس وقوانين ولم يتخل عنه لحظة ولم يتركه إلى القوانين الطبيعية العمياء تتحكم فيه. بل سيره بقانون من قوانينه تتحكم به سلطة مهيمنة وقوة تسير الأشياء وفقه. والذي خلق هذا الكون ونواميسه هو الذي يدبر هذا الكون كيف شاء بهذه النواميس والقوانين أو بغيرها قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)(٢) ويسمي الله نفسه (القيوم) لأنه القائم بتدبير خلقه.
٣ ـ بناء على ما سبق تقريره أن هذا الكون وما فيه من قوانين طبيعية وسنن اجتماعية هي من خلق الله تعالى وتدبيره فما يكون من خرق لسنّة من السنن ، أو قانون من القوانين التي تعارف عليها الناس فهو بأمره سبحانه وتعالى وليس بمستغرب ، ولكن يكون خلقها بأي صورة من الصور أمرا خرافيا أسطوريا كما يتصور العصريون بما أثره عليهم التصور المادي الإلحادي وألجأهم لإنكار المعجزات والخوارق مؤولين لها بتأويلات مختلفة.
وهذا الانحراف قديم وسبب ظهوره بين المسلمين تأثرهم بالفلسفة اليونانية المادية البحتة (٣).
٤ ـ تسبب عن النظرة المادية في المدرسة العصرانية تأويل كثير من الغيبيات مثل : النبوة على أنها ملكة إنسانية. والوحي حاسة سادسة في البشر
__________________
(١) فتاوى الإمام ابن تيمية ٥ / ١٩٨.
(٢) سورة فاطر : (٤١).
(٣) مفهوم تجديد الدين ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨.