الموصوفون بما أخبر به عنهم.
وقيل : لأنهم وقت الركوب حصروا ، لأنهم خافوا الهلاك ، وتقلب الرياح فناداهم نداء الحاضرين. ثم إن الرياح لما جرت بما تشتهي النفوس ، وأمنت الهلاك لم يبق حضورهم كما كان على ما هي عادة الإنسان ، أنه إذا أمن غاب ، فلما غابوا عند جريه بريح طيبة فذكرهم الله بصيغة الغيبة فقال : «وجرين بهم» (١).
٤ ـ وقيل : فإنه فخم جرأتهم على الله تعالى حيث أعرضوا عن التعريض له بالدعاء والخضوع والالتجاء إليه فيما إذا جرت الفلك بهم بريح طيبة ، ثم لجأوا عند خوفهم الهلكة والغرق وذلك بأن خاطبهم أولا ، ثم أعرض عن مخاطبتهم منزلا لهم منزلة من لا تجدي فيه الزواجر وأخذ في حكاية حالهم الشنيعة وافشاء أسرارهم القبيحة لغيرهم والنداء عليهم يعود وبال ذلك عليهم (٢).
وهكذا نرى سرا من أسرار هذا الأسلوب العربي القديم ، والأسلوب القرآني البديع الذي لم يدركه «سال» فعده أقوالا دخلت النص القرآني من صنعة بشرية تارة أو فسادا دخل النص تارة أخرى. وعذره في ذلك أنه جاهل بالأسلوب القرآني والعربي وإلا لما وقع في هذا الخطأ الفاضح.
القضية الحادية عشرة :
استعمال القرآن الكريم الألفاظ العربية في غير ما وضعت له ، أو يأتي بالمشترك منها حيث يجب التخصيص.
من ذلك قوله عن دين إبراهيم : «حنيف» ويعني بذلك أنه قويم لكن العرب تعني بالحنف الاعوجاج. ولذلك تسمي عابد الوثن حنيفا لميله عن الدين القويم. ولم تعرف للحنف معنى الاستقامة وإنما هو مما موه به اليهود على مصنف القرآن ليعرقلوه .. إلخ (٣).
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ٣ / ٣١٨.
(٢) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ـ ص ٣١٥.
(٣) أسرار عن القرآن ص ٧٥ ـ ٧٦.