ينسب شيئا منه لنفسه ، فمع سمو كلام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الحديث النبوي أو الأحاديث القدسية ورصانة ألفاظه وبلوغه قمة الفصاحة والبلاغة حيث هو الذؤابة من قريش وأوتي جوامع الكلم.
فمع هذا كله لا يمكن أن يصل لمستوى القرآن الكريم. فالقرآن معجز عجزت الإنس والجن أن يأتوا بمثله. لكن الحديث النبوي الشريف إن أعجز عامة الناس الإتيان بمثله فلا يعجز بعض خاصتهم الإتيان بأسطر منه. خاصة إذا انضم له معين وظهير. فإن عجز مع الظهير والمعين فلن يعجز الإنس والجن مجتمعين. بعكس القرآن الكريم فلن يستطيع أحد من الإتيان بمثله ولو انضم بعضهم لبعض ظهيرا.
ولله در «الجاحظ» في وصفه لكلام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : [هو الكلام الذي قل عدد حروفه ، وكثر عدد معانيه ، وجل عن الصنعة ، ونزه عن التكلف .. استعمل المبسوط في موضع البسط ، والمقصور في موضع القصر ، وهجر الغريب الوحشي ، ورغب عن الهجين السوقي ، فلم ينطق عن ميراث حكمة ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حفّ بالعصمة ، وشدّ بالتأييد ، ويسرّ بالتوفيق ، وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه : وغشاه بالقبول ، وجمع بين المهابة والحلاوة ، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام ، هو مع استغنائه عن إعادته ، وقلة حاجة السامع إلى معاودته ، لم تسقط له كلمة ، ولا زلت له قدم ، ولا بارت له حجة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير ، ولا يلتمس إسكان الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا يحتج إلا بالصدق ، ولا يستعمل المؤاربة ، ولا يهمز ولا يلمز ، ولا يبطئ ولا يعجل ، ولا يطلب الفلج إلا بالحق ، ولا يستعين بالخلابة ، ولا يسهب ولا يحصر ، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا ، ولا أصدق لفظا ، ولا أعدل وزنا ، ولا أجمل مذهبا ، ولا أكرم مطلبا ، ولا أحسن موقعا ، ولا أسهل مخرجا ، ولا أفصح عن معناه ، ولا أبين عن فحواه من كلامه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ](١).
__________________
(١) تاريخ آداب العرب للرافعي ج ٢ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.