الجواب :
قبل الإسلام تمكنت في نفوس العرب شعائر الجاهلية ، ومازجت أرجاسها عقولهم ، وكان العسير اجتثاثها من نفوسهم دفعة واحدة.
فاقتضت الحكمة الإلهية التدرج بهم شيئا فشيئا على مراحل عدة ، وصور متعددة.
وخلاصة الأمر : أن القرآن الكريم وجد قوما في مكة ينكرون أصول العقائد والإيمان فكان أول ما نزل منه يعالج هذا الأمر ، فدعا لتوحيد الله سبحانه وإفراده في الطاعة والعبادة ، وتحذيره من عبادة الأوثان والشرك بالله سبحانه وساق لذلك القصص والشواهد لتثبيت هذه العقيدة الإسلامية بنقائها وصفائها. فلما رسخت العقيدة في النفوس ، وأصبح أصحابها قادرين على تنفيذ أوامر الله سبحانه. خاصة بترك العادات الموروثة كشرب الخمر ، والربا ، والزنا ، وغير ذلك عند هذا الحد نزلت الآيات المتعلقة بأصول الشريعة كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والأخلاق الفاضلة ، والآداب الحميدة ، وذم سيّئ الأخلاق ، حتى إذا ارتفعت النفوس شيئا فشيئا ، وملكت قوة التقبل والامتثال ، تعاقبت التفاصيل في الشرائع والأحكام الإسلامية.
حتى إذا جاء دور التشريعات الإسلامية العامة كالحدود والقصاص والعلاقات الدولية وكان لا بد لها من سلطة تنفيذية تنفذ الشريعة الإسلامية جاء دور المجتمع المدني ، والقرآن المدني نزل لتنفيذ هذه المرحلة.
فجاءت التشريعات المدنية مسهبة ومستقلة عن أي تأثير بل طبيعة المرحلة هي التي اقتضت ذلك. ولكن بحكم وجود اليهود في المدينة حيث كان لهم تشريعاتهم الخاصة بهم وأسلوبهم الخاص في التعامل مع الناس وقفت الشريعة الإسلامية لتظهر شخصيتها في هذا المقام وتبين موقفها من أخلاق اليهود وأسلوبهم المعوج في التعامل.