وينالون وضعا مدنيا ... فهؤلاء من بقايا البدو القدماء الذين لم ينالوا حظا كبيرا من التربية الإسلامية ليعودوا متمدنين وإنما حافظوا على وضعهم الاجتماعي نوعا ، ولم تدخل الشريعة في قلوبهم أو لم تنفذ فيهم تنفيذا صحيحا ... وليس من السهل تبديل ما عندهم ، وإنما يحتاج إلى رسوخ في العقيدة ، والى تدرج إلى الحضارة كالانتقال من البداوة إلى الريفية ، ومنها إلى المدن ... وعلى كل حال نرى الحالة البدوية الموجودة من ارقى الحالات البدوية وليست وحشية كما يتوهم وانما هي نتيجة تطورات وتكملات عديدة إلى ان وصلت اليها الإسلامية بحيث قبلت الزواج ، وراعت العقود ، والتزمت العهود وقامت بفضائل أخلاقية كانت من طبعها ؛ أو لاءمت غريزتها وحالاتها مدنية تقريبا بالنظر لوضعها الاجتماعي على قلة في المقياس ومراعاة مطالب لا ترضاها الشريعة ولا الحضارة ...
هذا ونلاحظ في قضايا الفصل ان البدو اليوم ليس لديهم قود في القتل ، وانما هناك ثأر ، وفتك من جانب المتضرر ، أو أقاربه عند الظفر بالقاتل والتمكن منه ... في حين اننا نعلم ان قد كان هناك قود. ومما قيل :
خليلي هل ليلى مؤدية دمي |
|
اذا قتلتني أو أمير يقيدها |
وكيف تقاد النفس بالنفس لم تقل |
|
قتلت ولم يشهد عليها شهودها |
والمعروف ان الرؤساء يأمرون بمراجعة العارفة ، ولا يتدخلون الا في الأمور العامة التي تهدد كيان القبيلة ، وتجعلها في خطر ...
وعلى كل حال لما كانت السلطة للحكومة ، ولم يكن للرؤساء الا الإدارة في امور محدودة ، فمن واجب الحكومة ان تحدد مطالب (قانون العشائر) ، وأن تجعل غالب القضايا المدنية ، والقضايا الشخصية مما لا مساس له بالسياسة العشائرية في حسمها تابعة إلى المحاكم ، ومثلها القضايا الفردية بين افراد قبيلة مما لا يهدد السلامة العامة ... والا توالى الخطر ، واشغلنا الدوائر الكثيرة ، ووسعنا التشكيلات التي نحن في غنى عنها ...