تصدير
كلمة الكاتب القدير المرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد فى الطبعة الأولى.
كان من أمانىّ التى أعربت عنها فى مقالات نشرت فى الصحف أن تستحيى كتب اللغة القديمة على أيدى جماعة من الأدباء يتناولونها انتخالا وتقريبا حتى يعمّ نفعها وتستخرج ودائعها من تلك الخزائن المقفلة عليها ، ففى اللغة العربية أشتات من هذه الكتب النفيسة ، ينظر الناظر إليها وبه مسّ من الحزن على جهد أضاعه مؤلفوها وعلى فوائد جليلة عسى أن تغتنم منها. وناهيك بلغة خدمها أبناؤها كأحسن ما تخدم اللغات ، وجمعوا فى كتبها كل ما اجتمع لهم من حضارة فى المشرق والمغرب ما فاقتها حضارة قط فى رفاهة العيش وسعة العمار. إن لدينا لهذه الكتب التى تعب فيها من تعب ، وإنا لنعنت أنفسنا فى الاستعارة والتكفف على أبواب اللغات ؛ إنا إذن لكمن يملك الكنز تحت قدميه ولا يزال يمد اليدين مستجديا فضلات المفضلين ، وما قامت الدنيا كلها إلا على ادخار الجهود والانتفاع بكل مجهود ، ففيم نهدر اليوم جهود السلف العاملين وهى منا على متناول الآخذ لا تكلفنا معشار ما كلفتهم قبلنا من جلد وطول أناة؟
ولم تمض إلا أيام على آخر مقال كتبته فى هذا المعنى حتى علمت أن الأمنية التى تمنيتها وتمناها غيرى تتحقق فى كتاب من أوفى كتب اللغة وأولاها بالتعميم : كتاب «المخصص» لصاحبه «ابن سيده» صاحب الفضل على كل من كتب بعده فى المعاجم ـ وأكثر المعاجم المطولة كتبت بعد القرن الخامس الذى عاش إلى ما بعد منتصفه ـ فسرنى أن يولد هذا الكتاب القيّم هذه الولادة الجديدة ، ورجوت أن يكون به استحياء كلمات من اللغة كانت مفقودة فى عالم الأقلام والألسنة. وأقل ما يقال فيه : إنه هبة كريمة أو تجديد لهبة منسية طال عليها الترك والإغفال ؛ فهى زيادة فى محصولنا كأنما جاءتنا من حيث لا نحتسب ، وكل زيادة من هذا القبيل بركة لا تقابل إلا بالشكر والترحيب.
رحّبت بهذا العمل الصالح ، وسيرحّب به كل من سمع به على اختلاف الآراء والدواعى التى