البصر (١). ثم ينتقل إلى حاستى : الشم والذوق ، ويربط إحداهما بالأخرى (٢) ، وبعدها تجىء حاسة السمع ، واستلزم شرحها توضيح الصوت والصدى (٣). ويختم بحاسة البصر التي وقف عليها أطول مقالات هذا الكتاب. ويعرض فيها القضايا طبيعية متصلة بالألوان ، والضوء ، والرؤية ، والشعاع ، والشفاف والمعتم (٤). وهى قضايا أثارها فى وضوح معاصره ابن الهيثم (١٠٣٩ م) ، عالم البصريات الأول فى الإسلام. ويلاحظ بوجه عام أن ابن سينا توسع فى دراسة الحواس الخمس توسعا ملحوظا ، استوعب فيه ما سبق إليه من آراء وأفكار ، محاولا تهذيبها وتنقيحها ، وترجيح بعضها على بعض ، وأضاف إليها ما أضاف. وهى دراسة أقرب إلى الطبيعة والفسيولوجيا منها إلى علم النفس ، على أنه برغم فصله بين قوى النفس الظاهرة والباطنة يحرص على أن يشير إلى أنها متداخلة ومتعاونة فيما بينها ، فالإحساس متصل بالخيال ، والذاكرة لا عمل لها بدون الصور الحسية ، والنفس الناطقة إنما تغذى عن طريق الحواس (٥).
القوى الباطنة :
يفصل ابن سينا القول فى قوى النفس الباطنة ، فيشرح على ما نحو ما صنع أرسطو الحس المشترك ، ويلاحظ أنه ليس حاسة سادسة ، وإنما هو ضرب من الوعى أو الشعور الذي يدرك المحسوسات المشتركة ، ويميز بين معطيات الحواس المختلفة (٦). ويعرض لما سماه المصورة والمفكرة ، والمتذكرة والوهمية (٧) ، وهى ليست وظائف للنفس ، وإن عدها قوى أو حواس باطنة. ويعنى بالمخيلة التي اعتمد عليها فى تفسير الوحى والإلهام تفسيرا علميا (٨) ، ويقف المقالة الخامسة ، وهى ثانية مقالات الكتاب طولا ، على النفس الناطقة (٩). فيثبت
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٥٨ ـ ٦٣.
(٢) المصدر السابق ، ص ٦٤ ـ ٦٩.
(٣) المصدر السابق ، ص ٧٠ ـ ٧٧.
(٤) المصدر السابق ، ص ٧٩ ـ ١٤٣.
(٥) المصدر السابق ، ص ٥١ ص ، ص ١٩٧ ـ ٢٠.
(٦) المصدر السابق ، ص ١٤٥ ـ ١٥٠.
(٧) المصدر السابق ، ص ١٥١ ـ ١٧٠.
(٨) المصدر السابق ، ص ١٧٢ ـ ١٧٩.
(٩) المصدر السابق ، ص ١٨١ ـ ٢٣٧.