ابن الوليد الى النجاشي ليردهم إليهم ، وكان عمرو وعمارة متعاديين ، فقالت قريش : كيف نبعث رجلين متعاديين؟ فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة ، وبرئت بنوسهم من جناية عمرو بن العاص ، فخرج عمارة وكان حسن الوجه شابا مترفا ، فأخرج عمرو بن العاص أهله معه ، فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر فقال عمارة لعمرو بن العاص قل لا هلك تقبلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا سبحان الله؟ فسكت عمارة فلما انتشا عمرو وكان على صدر السفينة فدفعه عمارة وألقاه في البحر فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه وأخرجوه فوردوا على النجاشي وقد كانوا حملوا اليه هدايا فتقبلها منهم فقال عمرو بن العاص : ايها الملك ان قوما منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم إلينا ، فبعث النجاشي الى جعفر فجاءه فقال : يا جعفر ما يقول. هؤلاء؟ فقال جعفر : ايها الملك وما يقولون؟ قال يسئلون ان أردكم إليهم ، قال : ايها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟ فقال عمرو : لا بل أحرار كرام ، ثم قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبونا بها؟ قال : لا ما لنا عليكم ديون ، قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بذحول (١) فقال عمرو لا ، قال. فما تريدون منا؟ آذيتمونا فخرجنا من بلادكم ، فقال عمرو بن العاص ايها الملك خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وأفسدوا شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم إلينا ليجمع أمرنا فقال جعفر ، نعم ايها الملك خالفناهم بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام وأمرنا بالصلوة والزكاة. وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها. والزنا والربا والميتة والدم ولحم الخنزير وأمرنا بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فقال النجاشي ، بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليهماالسلام ثم قال النجاشي. يا جعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا؟ قال. نعم فقرأ عليه سورة مريم فلما بلغ الى قوله ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا وقال ، هذا والله هو الحق فقال عمرو بن العاص ، ايها الملك ان هذا مخالف لنا فرده إلينا ، فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت والله لئن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك. فقام عمرو
__________________
(١) الذحل : الثار.