وقد يعني «السر» ما هو سر عنك كما عن غيرك حيث أنسيته ، ثم «أخفى» ما لم تعلمه بعد ، وما لن تعلمه ، حيث السرّ هو الكائن السرير ، فالأخفى هو غير الكائن الذي بالإمكان كونه بعد ام لا ، وعوان بين السرّ والجهر هو النجوى ، فانه جهر لمن تناجيه وسر عن سواه ، وهي هنا مشمولة للسرّ ، وان كان مع النجوى كالظرف والمجرور إذ اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) (٤٣ : ٨٠) (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٩ : ٧٨).
فلأن الآية في مقام عرض العلم المحيط ، لم تكن الأخفى لتختص بما سوف تعلمه او تويه او تفعله ، بل وما لن تعلمه من الحقائق الكائنة في الكون ، بل وغير الكائنة كوّنت بعد أم لم تكوّن ، كما السر لا يختص بغير النجوى ، إذا فالسرّ هو دون الجهر من القول من نجوى يسمعها صاحبها ، ومن إخفات تسمعه في نفسك وقد يسمعه غيرك ، ام إخفات لا تسمعه في نفسك وانما تعلمه وهو النية السريرة.
ومثلث العلم لله : جهرا وسرا وأخفى ، هي المواطن الثمانية ، ١ ـ جهرا ، ٢ ـ دون الجهر نجوى ، ٣ ـ إخفاتا قد يسمعه غيرك ، ٤ ـ إخفاتا لا يسمعه غيرك وتسمعه في نفسك ، ٥ ـ أم لا تسمعه ، ٦ ـ وسرا عن نفسك ما كنت تعلمه ثم أنسيته ، ٧ ـ أم لم تكن تعلمه وبالإمكان ان تعلمه ، ٨ ـ ام ليس بالإمكان ان تعلمه.
فهذه الآية تتكفل عرضا موجزا عن عرش العلم في مواطنه الثمانية كما آية الثرى عرضت عرش الملكية المالكية المطلقة ، فهما إذا تفسيران لعرش الرحمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ومن ثم الأسماء الحسنى لذي العرش الواحد القهار ، عرضا لوحدة