اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) (١).
ومنها أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين نحو (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) (٢) ومنها أن يقع بين طرفي الجملة كما قيل :
طويت لإحراز الفنون ونيلها |
|
رداء شبابي والجنون فنون |
فحين تعاطيت الفنون وحظّها |
|
تبيّن لي أنّ الفنون جنون |
كذا في المطول. وفي الاتقان بعد تعريف العكس بما ذكر قال ابن أبي الإصبع : ومن غريب أسلوب هذا النوع قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (٣) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (٤) فإن نظم الآية الثانية عكس نظم الأولى لتقدّم العمل في الأولى عن الإيمان وتأخّره في الثانية عن الإسلام. ومنه نوع يسمّى القلب والمقلوب المستوي وما لا يستحيل بالانعكاس وهو أن تقرأ الكلمة من آخرها إلى أولها كما تقرأ من أولها إلى آخرها نحو (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) (٥) (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (٦) ولا ثالث له في القرآن ، انتهى. لكن صاحب التلخيص ذكر القلب والمقلوب المستوي في المحسّنات اللفظية ، فعلى هذا لا يكون هو من أنواع العكس. ومنها ما يسمّى عكسا مستويا وعكسا مستقيما وهو تبديل كلّ من طرفي القضية بالآخر مع بقاء الصدق والكيفية أي الإيجاب والسّلب بحالهما ، وهذا من مصطلحات المنطقيين ، وهو المتبادر عند إطلاق لفظ العكس كما في شرح إشراق الحكمة. وقد يطلقون العكس مجازا على القضية الحاصلة من هذا التبديل. وقيل الظاهر أنّه حقيقة لكثرة الاستعمال في ذلك فيقال عكس الموجبة الكلّية موجبة جزئية ، وهكذا في بواقي القضايا ، وذلك أن تجمع بينهما بأنّ العكس نقل أولا من المعنى اللغوي إلى المعنى المصدري الذي يشتقّ منه سائر الصيغ ، كقولهم عكس وانعكس وينعكس ونحوها ، ثم استعمل في القضية المخصوصة بعلاقة السّببية ، ثم كثر استعماله فيها حتى صار حقيقة بالغلبة. ثم المراد بتبديل الطرفين التبديل المعنوي أي المغيّر للمعنى حتى يخرج تبديل طرفي المنفصلة فإنّهم قالوا لا عكس للمنفصلات. ويحتمل أن يكون مرادهم أنّه ليس للمنفصلات عكس معتدّ به ، فحينئذ لا حاجة إلى تخصيص التبديل ، وذكر الطرفين أولى من الموضوع والمحمول كما ذكره البعض لشموله عكس الحمليات والشرطيات.
والمراد بطرفي القضية طرفاها في الذّكر فلا يرد أنّ طرفي القضية الحقيقية لم يدخلا في التعريف فإنّ الطرف الأول منها ذات
الموضوع والثاني وصف المحمول ، وفي العكس يصير ذات المحمول موضوعا ووصف الموضوع محمولا ، والمراد ببقاء الصدق لزوم بقائه بمعنى أنّه لو فرض الأصل صادقا لزم منه لذاته مع قطع النظر عن خصوص المادة صدق الفرع بلا واسطة فرع آخر لصدق المفروض في الأصل في الفرع لذاته بلا واسطة ، ليدخل في التعريف عكس القضية الكاذبة ، وليخرج عنه تبديل طرفي القضية بحيث يحصل منه قضية لازمة الصدق مع الأصل
__________________
(١) آل عمران ٢٧.
(٢) الممتحنة / ١٠.
(٣) النساء ١٢٤.
(٤) النساء / ١٢٥.
(٥) الأنبياء ٣٣.
(٦) المدّثر / ٣.