البدن على حكم الروح ومنه من هو بالعكس ولهم في ذلك درجات يتفاضل بها بعضهم على بعض ولأهل الدرجة العليا كل ما لأهل الدرجة السفلى وزيادة ولكل فاكهة في العالم الجسماني مثال في العالم الروحاني مناسب لها كما مرت الإشارة إليه في المقدّمة الرابعة.
ولهذا فسرت الشَّجَرَةَ تارة بشجرة الفواكه وأخرى بشجرة العلوم وكان شجرة علم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم إشارة إلى المحبوبية الكاملة المثمرة لجميع الكمالات الإنسانية المقتضية للتوحيد المحمدي الذي هو الفناء في الله والبقاء بالله المشار إليه بقوله عليه السلام : لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. فانّ فيها من ثمار المعارف كلها وشجرة الكافور إشارة إلى برد اليقين الموجب للطمأنينة الكاملة المستلزمة للخلق العظيم الذي كان لنبيّنا (ص) ودونه لأهل بيته عليهم السلام فلا منافاة بين الروايات ولا بينها وبين ما قاله أهل التأويل انها شجرة الهوى والطبيعة لأن قربها إنّما يكون بالهوى والشهوة الطبيعية وهذا معنى ما ورد : أنّها شجرة الحسد فان الحسد إنّما ينشأ منها : فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله.
(٣٦) فَأَزَلَّهُمَا وقرئ فأزالهما : الشَّيْطانُ عَنْها بوسوسته وخديعته وإيهامه وعداوته وغروره بأن بدأ بآدم وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ان تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله تعالى بالقدرة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ لا تموتان أبداً وَقاسَمَهُما حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ وكان إبليس بين لحيي الحيّة أدخلته الجنّة وكان آدم يظنّ أن الحيّة هي التي تخاطبه ولم يعلم أن إبليس قد اختبى بين لحييها فرد آدم على الحيّة أيّتها الحية هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربّنا أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي وأتعاطاه بغير حكمه فلما أيس إبليس من قبول آدم (ع) منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها وقال يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عزّ وجلّ حرّمها عليكما فقد أحلها لكما بعد