فقط جنوبي قفار
ابتعدت طريقي قليلا عن الجبل. أسجل هذه الملاحظة بشكل عابر لأبرر الاتجاه الذي
أعطيته لهذا الجبل على خريطتي وهو اتجاه جديد ومغاير على نحو ملحوظ للاتجاه الذي
اعتمدته أحدث الخرائط.
إلى بضعة
كيلومترات شمالي جبل سرا يستمر السير بثبات على حصى الغرانيت الكبيرة واسمها
البطحا كما ذكرت سابقا وهي قاحلة تماما. لكن طبقة الحصى ليست متساوية العمق في كل
الأمكنة ومن حين إلى آخر يسمح برؤية التربة التحتية المكونة من حجر صلصالي رمادي
صفراوي صلب. في هذه الأماكن تظهر أحيانا شجرة هزيلة أو ساق حنظل زاحفة.
كانت الشمس تلامس
الأفق عند ما وصلت أمام النقش في جبل سرا. وهو في معبر يبلغ عرضه ٨٠ مترا تقريبا
ويفتح الطريق إلى مستجدMestagged والحجاز. كانت الكتابة محفورة في
الصخر على الجدار الجنوبي للمعبر ، على ارتفاع ٦ أمتار من الأرض وتواجه الشمال.
بفضل انهيارات الصخور يمكن الاقتراب منها حتى مسافة مترين تقريبا. أخذت فورا وضعية
تمكنني من نسخها وتبين لي أن الشيخ عواد قد نسخ بالضبط نصف الأحرف تقريبا وهذا ما
اعتبره مرضيا بالنسبة الى شمّري متعلم ، خاصة بالنظر إلى حالة هذه الكتابة الخشنة
وإلى التأثيرات البصرية التي يحدثها النور على هذا الغرانيت الفظ بحبوبه المتعددة
الألوان والتي تتعب تموجاتها المتعرجة النظر بسرعة. وقد اغتبطت لاحقا بالعناية
البالغة التي بذلتها في نسخ هذه الكتابة. فمن بين كل النقوش الحميرية التي صادفتها
في رحلاتي اللاحقة ، لم تكن ولا واحدة بهذا الحجم. فقد كانت تحوي ٩٨ حرفا.
هذا النقش الكبير
موجود كما ذكرت آنفا على جدار الجبل بالذات. وقد عثرت على خمسة نقوش أصغر حجما على
كتل ضخمة من الغرانيت يبلغ حجمها عدة أمتار مكعبة كانت قد انهارت على جانب النقش
وأمامه. وقد بدا على إحدى الكتل رسم حيوان لا بد أنه كلب سلوقي كبير أو غزال. خط
هذا الرسم جريء ، محدد ويدل على موهبة فنان. من بين مئات تماثيل الحيوانات
المنحوتة في الصخر التي صادفتها ، كانت هذه الأخيرة الفضلى.
هبط الليل فيما
كنت أنجز نسخي. وامتطينا جمالنا التي لم ننزع عنها خروجنا
__________________