ساعات من المطر تكفي لتبرعم الحبوب التي يعج بها رمل النفود وبعد خمسة عشر يوما يغطي الأرض بساط من الخضرة من مختلف أنواع النباتات بأوراق سميكة مملوءة بالعصارة. هذه الفترة هي" العشب" (١) Asoub ويمكن فيها إطلاق الإبل والخراف في النفود دون الاهتمام بإروائها. فطالما" العشب" قائم لن تحتاج إلى تناول الماء.
أول فكرة تتبادر إلى الأذهان حول أصل طوبوغرافيا النفود ، هي أن الأفلاج تكونت بفعل الأعاصير أو الأمطار المدرارة التي لا بد أنها تجتاح المنطقة من وقت إلى آخر ، ولكن سرعان ما نتخلى عن هذا الافتراض لدى رؤية تواتر وتمائل الأفلاج. وإذا افترضنا أنها تكونت بفعل الريح فبفضل الريح أيضا تزول. غير أن شيئا من هذا القبيل لا يحصل. البدوي يؤكد لك أنه لا وجود أبدا لرياح عاتية في النفود فحسب ، بل إنه لم يلاحظ تغييرا في وضع أو موقع فلج طيلة عشرين وثلاثين وأربعين سنة من التجوال فيه. لكن ثمة أفلاجا لاحظها البدوي بسبب أحجامها الكبيرة وشكلها أو أعماقها ومن بينها عيون قفيعة والبيضا المذكورتين آنفا والمعروفتين منذ أجيال.
وبالرغم من ذلك فإني لا أجرؤ على القول مع العربي أو مع دليلي إن النفود ثابت لا يتغير بل إنني أؤكد عكس ذلك مستندا في ذلك على الوقائع الآتية :
١) لقد صادفت مرات عدة مساحات ممهدة تبلغ ٤٠ ، ٥٠ ، و ٦٠ هكتارا لا يمكن تفسير وجودها بغير الأفلاج المردومة. وقد استطعت على سهلين كبيرين منها تتبع الحدود العليا لجدران الفلج القديم إلى الغرب.
٢) الرياح السائدة في النفود هي الرياح الغربية (٢) والدليل على ذلك يتمثل أولا في انحناء كل النباتات نحو الشرق ، ثم في الحاجز الرملي الموجود شرقي كل الدغال أو الشجيرات والجذوع العارية في الغرب. هذه الملاحظة تبرهن في الوقت نفسه أنّ النفود ينتقل من الغرب إلى الشرق. وإذا كان ينتقل فمن الواضح أنه لا ينتقل بكليته ، وأن الريح لا تحرك إلا الطبقات السطحية وأن الجزء الاكبر من الرمل المجروف يقع في الأفلاج. يمكننا الاستخلاص من هنا أن حركة النفود الانتقالية
__________________
(١) العشوب : موسم المراعي [التحرير].
(٢) قارن من أجل ظواهر مماثلة تقرير السيد دوفيريه Duveyrier حول رمال ورياح الصحراء في مجلد
La Comission suPe ? rieure Pour l\'examen du Projet de mer inte ? rieure de M. le Commandant Roudair, ٢٨٨١
ص ٢٧٩ ـ ٢٩٥ [التحرير].